لا يمكن أشدّ المضاربين إلاّ الشعور بالخوف، بعدما هبط سعر الذهب خلال يومين فقط إلى أدنى مستوياته في سنتين. ويثير هذا التطور أسئلة حول النسبة التي يجب أن يشكلها الذهب في المحافظ. إذ بعد 12 سنة من المكاسب السنوية المتتالية، توقع 37 محللاً في استطلاع أجرته وكالة «رويترز» في كانون الثاني (يناير) الماضي، احتمال أن «يسجل الذهب ارتفاعات قياسية في المتوسط هذه السنة والعام المقبل، في وقت رجحوا وصول موجة صعوده إلى مداها». وعلى رغم بدء المصارف في التراجع عن توقعاتها، بتجاوز الذهب مستواه القياسي البالغ 1920.30 دولار للأونصة والمسجل عام 2011، كان معظمها لا يزال يفضل حيازة الذهب بديلاً من العملة وللتحوط ضد التضخم. ثم حصلت قضية قبرص، وأظهر تقويم لحاجاتها التمويلية أعدته المفوضية الأوروبية في العاشر من الشهر الجاري، أن الجزيرة المتعثرة «ستحتاج إلى بيع احتياطات من الذهب لجمع نحو 400 مليون يورو، للمساهمة في تمويل جزء من حزمة إنقاذها». وكشف محضر في اليوم ذاته عن اجتماع مجلس الاحتياط الفيديرالي (البنك المركزي) الأميركي في 19 و20 آذار (مارس) الماضي، عن «ميل المسؤولين إلى إنهاء برنامج شراء السندات نهاية هذه السنة»، ما سيخفف بدوره من الضغوط التضخمية. وانخفض سعر أونصة الذهب بنسبة 1.6 في المئة، لكنه استقر في اليوم التالي، قبل أن يتراجع بنسبة 5.2 في المئة و8.4 في المئة يومي الجمعة والاثنين الماضيين، في تحرك على مدى يومين كان الأشد إثارة للدهشة خلال 30 سنة. وبلغ السعر نحو 1380 دولاراً للأونصة أمس، بعدما بدأ تعاملات الجمعة الماضي متجاوزاً 1560 دولاراً للأونصة. وقال المدير المشارك في «نوستر كابيتال» في لندن بيدرو دي نورونها، «كنا محظوظين بالتخلص من كل مراكزنا الطويلة عند مستوى يتراوح بين 1560 دولاراً للأونصة و1570 دولاراً»، لافتاً إلى «الاستمرار في المراقبة ولا نفعل شيئاً في الوقت الحالي». وسارع المستثمرون في صناديق المؤشرات المتداولة للتخلص من استثمارات. ورأى كبير خبراء الاستثمار الاستراتيجيين في «دياباسون كوموديتيز مانجمنت» في سويسرا شون كوريغان، أن «أحداً لم يكن يتوقع هذا التحرك الضخم وهذا الكم من البيع»، مؤكداً أنه «ألحق ضرراً كبيراً بثقة المستثمرين». ولفت إلى أن صورة الذهب «كملاذ آمن كانت تتراجع منذ بعض الوقت، لأن العوامل التي كانت تدفع السوق عادة إلى الارتفاع، فشلت في ذلك وكانت مشكلة قبرص مثالاً على ذلك». وعدّلت مصارف استثمار كبرى توقعاتها لأسعار الذهب أخيراً، وخفّض «غولدمان ساكس بنك» في العاشر من الشهر الحالي، تقديراته لسعر الذهب للمرة الثانية في ستة أسابيع. وعزا ذلك، إلى تكهنات ب «تسارع النمو الاقتصادي في الولاياتالمتحدة وضعف الأسعار في الفترة الماضية». وتكون أسعار الذهب بعد موجة البيع المحققة حتى الآن هذه السنة، تراجعت بنسبة 20 في المئة، وبنحو 28 في المئة منذ الارتفاع القياسي عام 2011. وأقرّ «بنك أوف أميركا ميريل لينش»، بأن الدوافع الرئيسة للهبوط تمثلت ب «المخاوف من حصول مزيد من عمليات البيع من البنوك المركزية في منطقة اليورو، بعد الاقتراح الخاص بقبرص. كما تفاقم التراجع بسبب عمليات البيع من جانب الصناديق». لكن اعتبر أن «من الصعب تفسير انهيار سعر الذهب، نظراً إلى المتغيرات التقليدية، مثل سعر تداول الدولار أو معدلات الفائدة، ما يثير مخاوف من احتمال تضرّر سمعة الذهب كبديل للعملة الورقية». لكن يقول الذين يستمرون في تبنّي نظرة إيجابية في شأن مستقبل المعدن النفيس، إن القطاع الرسمي المتمثل في البنوك المركزية، لا يزال حريصاً على الشراء، ورأوا أن فائدة الذهب كمخزن للقيمة سهل التداول في الأوقات الصعبة، اتضحت جلياً في الاقتراح القبرصي. وأكد المحلل لدى «دويتشه بنك» دانييل بريبنر، أن «لا اتجاه لدى البنوك المركزية إلى البيع»، مشككاً في «تأثّر دور الذهب بهذا التقلب الشديد على مدى الأيام الثلاثة الماضية».