ساعدت برامج التقنية في انتهاك خصوصية المستهلك بوعي منه أو من دونه، وذلك من خلال ترك معلوماته عرضة للتداول والاطلاع، بسبب اشتراط تلك البرامج أخذ نسخة من جهات الاتصال الخاصة به، وإتاحتها لملايين المستفيدين حول العالم. وهو ما اعتبره متخصص في التقنية «تحويل البيانات الشخصية إلى سلعة قابلة للبيع والشراء، سواء لجهات أمنية أم تسويقية، يستفيد كل منهما بطريقته»، مشيراً إلى أن وضع تطبيق «نمبر بوك» وغيره على الهواتف الذكية «أسهم في إعطاء المتطفلين فرصة لاختراق الخصوصية بأسهل طريقة». وتطبيق «نمبر بوك» يتيح البحث في قاعدة بيانات ضخمة، تحوي ملايين جهات الاتصال للأشخاص الذين قاموا بتحميل البرنامج على أجهزتهم، وقاموا بنشر بيانات ومعلومات وجهات الاتصال لكل شخص مخزن في جهازهم. كما يوفر البرنامج البحث من طريق اسم الشخص ودولته ورقم هاتفه، ويمكن وضع رقم أي هاتف ثم يقوم البرنامج بالبحث في قاعدة البيانات، ويحدد اسم صاحب هذا الرقم. وعند تنزيل البرنامج في الجهاز، فإن أول ما يقوم به البرنامج هو سحب ورفع جهات الاتصال الموجودة في الجهاز، إضافة إلى البريد المخزن مع رقم الهاتف، وكذلك عنوان السكن والهواتف البديلة مثل: هاتف العمل أو البيت والموبايل البديل. ويتم دمج كل هذه المعلومات التي تم رفعها إلى «سيرفرات» مع ملايين جهات الاتصال الأخرى، كي يستطيع أي شخص البحث عن الأسماء والأرقام بواسطة البرنامج. وعلى رغم أن المدير التنفيذي لشركة «صحارى نت» المهندس هيثم أبوعائشة، يرى أن مثل هذه البرامج «ليست مشكلة كونها تطبيقات اختيارية من حق المستهلك تحميلها والإفادة منها، أو رفض التعامل معها وبقائها في المتجر من دون أي ضرر». إلا أنه يرى أن «المشكلة تكمن في المستهلك ذاته، كونه يسهم بقصد منه في نشر ثقافة اختراق الخصوصية»، لافتاً إلى أن المستفيدين من هذه البرامج هم «المتطفلون في المقام الأول، وهم يعملون في شرائح متعددة ومتنوعة، ولكن تلك الإفادة سرعان ما تنقلب على مستهلكها ويصبح متضرراً هو الآخر». وأشار أبوعائشة إلى أن برنامج «نمبر بوك» يعد من «أكثر البرامج التي تخترق خصوصيتك عبر معرفة رقم هاتفك بطريقة غير شرعية، وكان من الأولى بالمستهلك أن يفك شفرة الضرر الذي يلحق هذا البرنامج منذ الوهلة الأولى، والتي يعتمد فيها على إنشاء عملية تبادلية تشترط فيها أن يسحب البرنامج المعلومات التي لديك ومتعلقة بأرقام وبيانات جهات الخاصة بك، وذلك حتى يتمكن من أن يتيح لك الفرصة لممارسة تطفلك لمعرفة أرقام الآخرين»، محذراً من «حيلة يعمد لها بعض المستهلكين، ظناً منهم أنهم سيتجنبون التعدي على خصوصيتهم، وذلك من خلال إنزال تطبيق البرنامج على رقم هاتف موبايل يحوي عدداً محدوداً من الأرقام»، منوهاً إلى أن ذلك التصرف «يقلل ضرر البرنامج، إلا أنه يصب في النهاية في قالب نشر ثقافة اختراق الخصوصية، والتعدي على المعلومات من دون وجه حق». وأوضح أبوعائشة أن البرنامج يستفيد من هذا التصرف من خلال «الإفادة من الأرقام المُتعدى عليها في بيع لوائح الأرقام والبيانات لأشخاص أو لجهات في جميع دول العالم، وذلك بقصد الإفادة في مجالات متعددة: أمنية وتسويقية»، لافتاً إلى أن للتسويقية شكلين: أحدهما من خلال «بيع الأرقام بقصد استهداف شريحة معينة في بلد محدد، للترويج لمنتج أو سلعة، أما الثاني فمن خلال إنشاء برنامج يحمل كمية معلوماتية تجعله محط أنظار المعلن في موقعه». «قانوني»: دول ومنظمات تلهث خلف المعلومات وصف قانوني برنامج «نمبر بوك» ب«الخطر»، لأنه يتيح الوصول إلى معلومات شخصية مثل أرقام الهواتف والبريد الإلكتروني وعناوين المنازل «بطريقة غير شرعية تجرمها القوانين كافة». وذكر المحامي طلال العنزي ل«الحياة» أن «انتهاك الخصوصية من خلال هذا البرنامج أو غيره من البرامج، جريمة يعاقب عليها القانون في كل دول العالم، وذلك حالما يتم التكييف القانوني وفق مبدأ انتهاك الخصوصية ونشر بيانات شخصية بطريقة غير شرعية». وأشار العنزي إلى صعوبة الحد من تفشي برامج الهواتف الذكية، «ولكن من خلال الوعي الحقوقي يكون من السهل إيقاف تسرب المعلومات، عبر مقاطعة تلك البرامج وحث المستهلكين على ذلك». وشدد على أن خطورة البرامج تكمن في «ترك المعلومات الشخصية عرضة للتداول، ما يعني إضافة سبيل آخر من سبل المراقبة والملاحقة الأمنية من دول ومنظمات عالمية، تهدف إلى جمع كمية هائلة من المعلومات عن الناس، بحجج واهية ومطاطية مثل الإرهاب»، مشيراً إلى أن التقنية باتت «مجالاً خصباً لإنشاء آليات تهدد حياة البشرية، نظراً لوقوعها في يد أقلية أمنية، تسعى إلى تطويق الحريات وإيجاد نمط محدد من التفكير والآراء، ومن يخالف هذا التوجه يُتهم بالإرهاب، كونه رفض أن يكون حليفاً أو منضوياً تحت رايات دولية معروفة السياسيات والتوجهات».