شجعت الثورة السورية شاباً سورياً اختفى لمدة ثلاثين سنة خشية الاعتقال، على الخروج الى العلن من عزلته الطوعية، لكنه لا يزال حذرا في الكشف عن كامل قصته كي لا يعتقل، مع انه بات يقيم في مخيم للاجئين في تركيا. كان م. م. يدرس في جامعة حلب خلال الصراع بين النظام السوري و»الاخوان المسلمين» في ثمانينات القرن الماضي، عندما دهمت قوات الامن غرفته في المدينة الجامعية لاعتقاله بتهمة «التعاطف» مع الجماعة التي لم ينتسب اليها في حياته، بل ان اخاه الاكبر «اعتقل وقتل في سجن تدمر» في بداية الثمانينات. يفضل الشاب عدم ذكر اسمه الكامل كي لا يتعرض اقاربه الى انتقام النظام، ويقول ل «الحياة» في مخيم اللجوء: «كانت لحظات خوف شديد. بدأت بالدعاء إلى ربي، وعندما انشغل الحارس الذي كان يحتجزني في غرفة في الجامعة، قررت ان اهرب ركضا، فإما أموت بالرصاص أو أنجو، وكلا الحالتين أفضل من الاعتقال. ركضت الى ان وجدت نفسي عند أحد الأصدقاء الذي أمن لي سيارة انتقلت بها إلى بيتي» في احدى القرى الصغيرة في ريف حلب بشمال سورية. اختفى الشاب مذاك عن أعين الجميع في منزل اهله حيث «لم يعرف أحد بوجودي في البيت إلا أخي وامي وعمتي. حتى أولاد أخي لم يكونوا يعرفون أني عمهم مع اني كنت أعلمهم. وكانوا مقتنعين أنني غريب ومقطوع من شجرة، ووالدهم يؤويني في بيته». خلال فترة اختفائه كلها، خرج م. مرتين فقط ليذهب الى الطبيب «رغم أن الخروج بات سهلا لأن لا أحد يعرفني. لكني كنت اخرج متخفيا في الليل كي لا يراني أحد». الهاجس الامني العالي جعله يعتمد على الوسائل البسيطة، وقبول ان يكون معزولا لا يتواصل مع الناس حتى الاقرباء منهم. ويقول انه كان يستطيع العمل والسكن في المدينة في أوقات كثيرة، لكنه أختار العزلة أو ربما أعتاد عليها «تحسبا من أي ثغرة أو صدفة» تودي به إلى سجون النظام. ويضيف بعد ان اصبح في الخمسين من عمره: «مثل أي إنسان كنت أحس بكل شيء، أحزن وأمرض وأبكي وأفرح. لكن القدر والخوف» دفعاه للبقاء متخفياً «لان قلبي ضعيف». عاش م. حياته وراء الجدران، لكن ذلك وضعه خارج الزمن فلم يتعلم وسائل الاتصال الحديثة وان كان يسعى الان الى تعويض ما فاته. ويقول: «ما زلت شابا. تزوجت وسيكون عندي اولاد. وابحث عن عمل كي اساعد عائلتي». كانت بلدته معقلا للثوار خلال السنتين الماضيتين، فقرر الخروج الى الشمس. لكنه لا يزال يرفض ان تلتقط صورته او يقدم تفاصيل كاملة عن ماضيه. ويقول: «اخشى على أبناء بلدتي وأقربائي، أخشى وأتحسب لهذا النظام الذي يفعل أي شيء».