يقدم مسرح أوديون الوطني الفرنسي حالياً مسرحية عنوانها «بيك» أخرجها الكندي روبير لوباج وستقدم بعد عروضها الباريسية في كل من مدريد وموسكو وبرلين ومونتريال وتورونتو في كندا ونيويورك، وذلك خلال عام 2013. وتتميز المسرحية بغرابة تجعلها محط أنظار النقاد والجمهور العريض، مثيرة إعجاب البعض إلى حد الادعاء أن المخرج عبقري اخترع طريقة جديدة وثورية في دنيا المسرح العالمي، وأنه سيدخل تاريخ الفن من أوسع أبوابه، فيما يرى البعض الآخر أن المسرح لا بد من أن يلتزم كلاسيكية معينة ليبقى في متناول العدد الأكبر ويخاطب المتفرج من دون أن يصدمه. أما لوباج فيرى أن التجديد وحده يقدر على تحريك الأمور وتفادي الجمود، غير أنه لا يمنع وجود مسرحيات تقليدية، وكلما كبر عنصر العرض تزايد الطلب وتنوع. تتناول مسرحية «بيك» مجموعة من المواقف لا علاقة لأي منها بالآخر، كما أن حبكتها لا تدور في مكان أو زمن واحد، وبالتالي فالعمل ككل يشبه الأفلام السينمائية المكونة من «اسكتشات» متعددة، إلا أن هذه الأفلام عادة ما تطرح حكايات كاملة تتوالى بينما يشهد المتفرج في مسرحية «بيك» قصة محددة تبدأ ثم تنقطع لتترك المجال إلى قصة ثانية ثم ثالثة، قبل العودة إلى متابعة تكملة الأولى... وهكذا. وفي كل مرة تتغير الديكورات بأسلوب مدهش، سريع، كاتم للأنفاس تصحبه موسيقى تذكّر بتلك التي تصحب الصورة في الأفلام. وتهبط بعض الديكورات من السقف العالي جداً بينما تظهر غيرها من تحت الأرض لترتفع في الجو، إضافة إلى شاشات يظهر عليها أبطال المسرحية في شكل مكبر يسمح للمتفرج برؤية تعبيرات كل ممثل عن قرب وكأنه في السينما، وهو أمر نادر حدوثه في المسرح وبخاصة في القاعات الضخمة كما هو الحال في مسرح أوديون. أما الخشبة فهي دائرية تشبه الحلبة وقد وضعت المقاعد الخاصة بالمتفرجين من حولها، وهذا العنصر بدوره من الأمور التي تعجب فئة من المتفرجين والإعلاميين وتثير اعتراض فئة ثانية تجد أن الممثلين لا يتركون بطريقة طبيعية فوق مسرح دائري. جيش من التقنيين ويتباهى لوباج بكونه لجأ إلى الخشبة الدائرية لأنه عثر بفضلها على إمكانات جديدة في شأن الزوايا التي يشهد المتفرج العرض منها، الأمر الذي يبرر اللجوء إلى شاشات تسمح للجمهور الذي يرى الممثل في الحقيقة من الخلف، بأن يراه من الأمام على الشاشة وهكذا... وهناك جيش من التقنيين مقيم طوال فترة العرض الذي يستمر ساعتين و40 دقيقة بلا استراحة، أسفل الخشبة الدائرية للتحكم في الديكورات والصوت والشاشات ومتابعة كل ما يحدث فوقه عبر أجهزة تلفزيونية صغيرة، إضافة إلى كون الممثل الذي أنهى وصلته يهبط بطريقة شبه سحرية إلى أسفل الخشبة وكأن الأرض قد شفطته، وهذا أيضاً من صنع التقنيين. أما موضوع المسرحية فيدور حول الحب والزواج والعائلة والخيانة والعصابات والحرب والرحلات السياحية والأحلام والنفس البشرية، لذا يصعب سرده ولا بد من مشاهدة العرض من أجل الحكم عليه. وربما أن الخيط الرفيع الوحيد الذي يربط بين المواقف المختلفة في العرض هو الأداء البارع للممثلين الذين يؤدون كلهم مجموعة من الأدوار المختلفة، وذلك باللغات الفرنسية والإنكليزية والإسبانية مع وجود ترجمة بالفرنسية عند اللزوم على شاشات معلقة في الهواء، وهذا أيضاً عنصر يربط بين مسرحية «بيك» والسينما.