يجلس محمود الشقفة (33 عاماً) في موقف للحافلات في العاصمة الماليزية كوالالمبور، منتظراً موعد قدوم الحافلة التي ستقله إلى منزله. وفيما هو يتأمل معالم الحداثة في ماليزيا، تلمع في ذهنه فكرة نقل المشهد إلى مواطنيه السوريين وتقديم مقاربة ساخرة تقارن بين الأوضاع في العاصمة السورية دمشق ونظيرتها كوالالمبور. الشقفة الذي هرب من بلاده بعد ملاحقته واعتقال الأمن السوري لعدد من رفاقه أواخر العام 2011، لم يسبق له أن شارك في أي عمل فني، ولا يملك خبرة في مجال الإعلام، ولم يكن يعتقد أبداً أن تجربته الارتجالية هذه والمعتمدة على كاميرا جهازه النقال ستتحول إلى سلسلة بعنوان «فشة خلق»، قدم خلالها أربع عشرة حلقة عبر موقع «يوتيوب»، لتتناقلها محطات تلفزيونية وشبكات إخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي. منذ اندلاع الثورة السورية في آذار (مارس) 2011، برزت إلى المشهد الإعلامي محاولات متعددة لتقديم أعمال ساخرة، ركزت في معظمها على تفنيد الخطاب الإعلامي الرسمي أو على السخرية من خطابات الرئيس السوري بشار الأسد والمؤتمرات الصحافية لغيره من المسؤولين. وتفاوتت تلك المحاولات في المستوى والنجاح بين تجربة وأخرى، واختار معظمها عناوين باللهجة العامية لا الفصحى، لكن أياً منها لم يحقق نجاحاً مماثلاً للنجاح الذي حققه المقدم المصري باسم يوسف، على رغم التشابه العام في ظروف الانطلاق والأجواء السياسية والاجتماعية المصاحبة. من هذه المحاولات «عوّفت» و «حرية وبس» و «فشة خلق» و «عنزة لو طارت» و «تلبيسة- شباب من ذهب» و «حاجي عاد» و «هاد كل شي صار» الذي قدمه عبد الوهاب ملا، و «مصاصة متة» التي اعتمدت على استخدام العرائس، بالإضافة إلى سلسلة التحريك «ويكي شام» وغيرها، حتى أن قناة «أورينت» الفضائية خصصت فقرة يومية من البث بعنوان «المضحك المبكي» لعرض مثل هذه التجارب. لكن تعدد المحاولات هذا لا يعني أن أياً منها استطاع أن يحقق نجاحاً يضمن الاستمرارية، فتوقف معظمها، أو في أحسن الأحوال تباعدت الفترات الزمنية التي تفصل حلقة عن أخرى، بينما لم تتقدم أي محطة تلفزيونية لتبنّي أي منها، على رغم العدد المتزايد من الفضائيات السورية. يرجع الشقفة توقفه عن إعداد حلقات جديدة من «فشة خلق» إلى «مرارة الواقع في سورية وتضخم حجم المأساة» من جهة، وإلى رغبته في «استثمار النجاح غير المتوقع الذي حققته السلسلة عبر تحويلها إلى عمل أكثر احترافية» من جهة أخرى، وفق ما يقول ل «الحياة»، مضيفا أنه يحتاج إلى مساعدة في الإعداد والإنتاج لم يستطع أن يجدها حتى الآن. سلسلة «عنزة ولو طارت» حققت النجاح الأكبر، وكانت الأكثر احترافية من ناحيتي التقديم والوسائل البصرية المستخدمة في العرض، لكن اضطرار مقدمة البرنامج «السرية» إلى التخفي وراء قناع أفقدها جزءاً مهماً من لغة جسدها وإيماءات الوجه القادرة على إيصال الأفكار بشكل كبير في هذه النوعية من البرامج، قبل أن تتوقف السلسلة لسبب مجهول في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. وفي أواخر شهر شباط (فبراير) الماضي، بدأ الإعلامي الشاب إبراهيم كوكي إعداد وإخراج وإنتاج سلسلة جديدة بعنوان «أوعى»، قدم منها ثلاث حلقات حتى الآن، بالتعاون مع صفحة «الثورة السورية ضد بشار الأسد»، وغلب عليها الطابع الإسلامي. ويقول كوكي إنه يعمل على مشروعه لوحده، مستفيداً من «خبرة صغيرة» عبر دراسة الإعلام، رفدها بدورة متخصصة في الإخراج. ويشير إلى أنه يستقي أفكاره من نقاشات «فايسبوك» حيث يجد في الإشكالية المطروحة أو القضية المثيرة للجدل مصدراً غنياً يستحق أن يعالج ويضع فيه وجهة نظره. ويقول: «أقوم بتصوير العمل ببيئات مختلفة لأثري الصورة البصرية قدر الإمكان، فأنا لا أريد أن ألقي فكرتي إلقاءً، بل أريد أن أجعل منها أشبه بالقصة». ويقرّ كوكي بأن أحد أهداف مشروعه الخاص «الدفاع عن التيار الإسلامي العريض»، لكنه يؤكد أن «المشروع توعوي وسيناقش قضايا إنسانية وفكرية عديدة وسيستمر إلى ما بعد الثورة». ولم يحصل كل من كوكي والشقفة على أي مساعدة إنتاجية أو دعم مادي أو فني لمشروعيهما، وفيما يعرب الأول عن أمله بتحقق ذلك، فإن الثاني يشير إلى قيام بعض القنوات ببث فيديواته من دون العودة إليه والتواصل معه على رغم أنه «لا يمانع ذلك». يقول الشقفة إن «الثورة فجرت طاقات الشباب فيما الناس يبحثون عن ضحكة وعن لحظة أمل وقليل من سعادة»، مضيفاً أن «خدمة الثورة والمجتمع لها طرق عدة وهذا الأسلوب واحد منها يجب أن لا نغفل عنه وأن لا نهمله».