«عنزة ولو طارت» من أوائل «البرامج» الساخرة التي ينتجها هواة وناشطون، يبثونها على «يوتيوب»، وتحصد متابعة لافتة. مذيعة بقناع ملوّن، تخاطب الكاميرا بحيويّة ولهجة عامية رشيقة، إذ تعلّق على مقاطع لخطابات شخصيات اعتبارية كان لها حضورها في دعم النظام السوري طوال الأشهر الماضية، مع تقنيات عرض متنوعة ولقطات لكاميرا تبدو احترافية على رغم أن الإمكانات المتاحة لها محدودة. بدأ «عنزة ولو طارت» بثّه في آب (أغسطس) الماضي، ليصل عدد مشاهديه، بعد الحلقة السابعة، إلى ما يقارب 300 ألف شخص، وهو ما زال مستمراً. تقول صاحبة فكرة البرنامج ومعدّته ل «الحياة» (وهي آثرت عدم ذكر اسمها للأسباب الأمنية المعروفة في ظل الأوضاع الحالية في سورية) إن شخصية «أبو نظير» ملهمة وصاحبة الفضل في ابتكار الفكرة. و «أبو نظير» هو «إرهابي»، كما يقول النظام، قاد «عصابات مسلحة للتخريب» في اللاذقية، ما دفع التلفزيون السوري الرسمي إلى إجراء مقابلة معه، أدلى فيها ب «اعترافات» متلعثمة ومليئة بالتناقضات كانت السبب في تحوّله مضرب مثل معروف في أوساط الناشطين في المعارضة السورية، وحوّلته شخصية هزلية حتى باتت جملته الشهيرة «ربّي يسّر» مثاراً للتندر... وما لبثت شهادة رسمية صادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، سُرّبت لاحقاً، أن أفادت بأنه «معاق ذهنياً» ويتلقّى مساعدات من الدولة على هذا الأساس. تقول مُعدّة «عنزة ولو طارت»: «عندما عرض التلفزيون السوري اعترافات أبو نظير الخطيرة، أثار جنوني غباء الأشخاص الذين أخرجوه إلى الإعلام، وشعرت بأن النظام وإعلامه يعاملاننا وكأننا بلا عقول، وإن غياب ردّ ساخر على هذه السخرية سيكون بمثابة جريمة في حق السوريين والرأي العام، وعندها خطرت لي فكرة فيديو ساخر، من حلقات، يبث على الإنترنت». «المندسّة السورية» يقوم «عنزة ولو طارت» على ثلاثة سوريين، يقومون بالمهمّات المختلفة، وهو يصوّر ويعّد خارج سورية. وفضلّ الفريق عدم الإجابة عن سؤال حول ما إذا كان بينهم من له خبرة في مجال البرامج التلفزيونية لأن ذلك قد يكشف هويتهم ويعرّضهم للخطر، حتى ولو كانوا خارج البلاد، فأتباع النظام في كل مكان بحسب قولهم. تناول برنامج «عنزة ولو طارت» في حلقته الأولى موقف الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصر الله من الثورة السورية، وعرضت الحلقة التي حملت عنوان «مع حسن نصر الله»، مقاطع من خطاباته التي يعلن فيها تأييده الصريح للثوار في تونس ومصر وليبيا وهو يترحم على الشهداء في البحرين، وتساءلت المذيعة: «لماذا يا شيخ المقاومة كل الثورات عندك ثورات إلا الثورة السورية فتنة وضلال؟». بلغ عدد مشاهدي هذه الحلقة 296 ألفاً، وتراوحت تعليقاتهم بين تحية المذيعة وطلب المزيد من الحلقات، وبين تخوين القيمين على الفيديو واتهامهم بالتعامل مع أميركا والغرب ضد المقاومة والقضية الفلسطينية. في الشهر ذاته «حاورت» المذيعة التي تسمّي نفسها «مندسّة سوريّة»، وزير الخارجية السوري وليد المعلّم، افتراضياً طبعاً، مفندّةً أقواله وتصريحاته خلال المؤتمر الصحافي الأول الذي مسح فيها أوروبا عن خريطة العالم. من الإنترنت إلى الأقراص المدمجة أما الحلقة الثالثة، فخُصّصت لعرض موقفي مفتي الجمهورية ود.محمد سعيد رمضان البوطي الذي وصف المتظاهرين بال «حثالة»، لتنتهي الحلقة ب «حكمة» تقول: «إن لم تستحِ فأنت شبيّح». وفي الحلقة الرابعة، جادلت «المندسّة السوريّة» فريق الصامتين والحياديين، لترّد على أفكارهم واحدةً تلو الأخرى، وبأسلوب ساخرٍ أيضاً، تحت عنوان «كل من تزوج أمي يصير عمي»، وهو مثل شعبي يستخدم لوصف المواقف السلبية أو الأشخاص الذين يتقبّلون كل ما يحصل من دون نقاش أو مبادرة. تعتبر مُعدّة «عنزة ولو طارت» أن الهدف الأساس منه هو «السعي إلى كسب التأييد الشعبي للثورة، على المستويين السوري والعربي، إضافة إلى الردّ على الإعلام الرسمي وأكاذيبه التي لا تحترم عقولنا، وكان لا بد للرد هذا أن يكون جذّاباً وإبداعياً ليصل إلى أكبر فئة من الجمهور». شبكة الإنترنت المتهالكة والضعيفة في سورية حالياً لم تمنع السوريين من الانضمام إلى جمهور حلقات الفيديو التي تستوطن الشبكة العنكبوتية، بل تبّرعت مجموعة من الناشطين بنسخ الحلقات على أقراص مدمجة ونشرها، لا سيما في دمشق وحلب. تتراوح مدة كل حلقة بين ست وثماني دقائق، وهي لا تُبث في شكل دوري «لأن البرنامج لا يعلّق على الأحداث، وهو ليس برنامجاً تقليدياً كما نرى على التلفزيون، وإنما هدفه نقد أفكار النظام وحججه، وإيصال رد الثوار الطريف والساخر عليها حين تدعو الحاجة»، بحسب «المندسّة السورية» التي تشير إلى أنها تفضّل تقديم حلقات قليلة غنية بالأفكار على أن تكون كثيرة ورتيبة. وعن آلية العمل، تقول: «تبدأ الحلقة بتحديد الفكرة المطلوب تكذيبها، وتوضيح حقيقتها، ثم نبدأ بجمع كل مقاطع الفيديو والمقالات والكتب التي تتناول الفكرة، قبل أن ننتقل إلى مرحلة القراءة وكتابة السيناريو، ثم التصويت على اختيار مقاطع الفيديو التي سنستخدمها، ثم التصوير فالمونتاج». وتلفت إلى أن إعداد الحلقة يستغرق وقتاً طويلاً في مرحلة التصوير والمونتاج بسبب ظروف خاصة، تَعِد بكشفها «بعد سقوط النظام». ل «عنزة ولو طارت» مموّلون، لكنهم فريدون، كما يظهر في «شارة» البرنامج التي تظهر في البرامج التقليدية» الرعاة والداعمين. وفي شارة «عنزة ولو طارت»، اجتمعت لتمويله: الولاياتالمتحدة الأميركية، عدة إمارات سلفية، الإخوان المسلمون، أشرار لبنان، إسرائيل، وتنظيم القاعدة... «هي عنزة ولو طارت»، تقول معدّة الفيديو المتسلسل، «لا توصيف أدق للنظام!».