كان باستطاعة ماريا الطفلة الأوكرانية إبنة التسعة أعوام التي تعاني من شلل دماغي أن تقف وتمشي وحدها لكن بصعوبة قبل اندلاع النزاع المسلح بين القوات الأوكرانية الحكومية والانفصاليين الموالين للروس في شرق البلاد. لكن اليوم، وبعد مضي خمسة أشهر من القصف على بلدتها ياسينوفاتا ومحيطها، وهي مركز استراتيجي للسكك الحديدية تناوبت القوات الحكومية والانفصاليون السيطرة عليه مرات عديدة، تدهور وضعها وأدى التوتر إلى تقلّص في عضلاتها وشلل جسدها ولم يعد بإمكانها الوقوف من دون مساعدة. وقالت تامارا جدة ماريا التي نقلت الفتاة تحت القصف والحواجز لتتلقى العلاج في دونيتسك - أكبر مدن المنطقة وأحد المعاقل الرئيسية للانفصاليين- إن "الأطفال مثل ماريا يخافون أكثر بكثير من غيرهم". وأضافت "كل هذا القتال أدى إلى تدهور حالتها الصحية عما كانت عليه قبل عام ونصف العام". وماريا هي اليوم واحدة من 30 مريضاً يتلقون العلاج في العيادة نصف الممتلئة المتخصصة بالاضطرابات العصبية في دونيستك والتي كانت تنتظر وصول صبي يحتاج لتعلم المشي من جديد بعدما أصابت شظية عموده الفقري. وهذا الصبي هو واحد من أكثر من 8700 شخصا أصيبوا في النزاع الذي اندلع في شرق أوكرانيا في نيسان (أبريل) الماضي والذي قتل حتى الآن أكثر من 3600 شخصاً وفق الأممالمتحدة. وأغلقت الكثير من المدارس والمستشفيات وغيرها من المؤسسات الحكومية أبوابها في دونيتسك بعدما باتت في وضع أخطر من أن تتمكن من الاستمرار بالعمل نتيجة إصابتها بالقصف أو قربها من مواقع المعارك. وتعاني العيادة من نقص حاد في التمويل إذ لم يعد كثيرون من الموظفين الحكوميين يتقاضون رواتبهم من الحكومة المركزية في الأراضي التي يسيطر عليها الانفصاليون، في حين أن جمهورية دونيتسك الشعبية التي أعلنها الانفصاليون من جانب واحد ليس لديها الموارد المالية لتعوّض النقص. وقال مدير العيادة أولف يفتوشينكو "أنا أعالج الأولاد وهذا الأمر يتطلب مالاً سواء كان يأتي من أوكرانيا في الماضي أو من جمهورية دونيتسك الشعبية في المستقبل. علينا أن نستمر". وأضاف "لا أسأل طاقم العاملين عن ميولهم السياسية، علينا فقط أن نستمر في العمل من أجل الأطفال". وقال "في الوقت الحالي ليس لدى دونيتسك الشعبية مورد للمال. عليهم أولاً أن يبدأوا بتقاضي الضرائب. إنني على استعداد لتسجيل عيادتي لدى السلطات المختصة، وفق ما يتطلب القانون ولكن علي أن أعرف أنهم سيخصصون لنا المال". وأشار إلى أن السلطات الأوكرانية لا تزال تغطي فواتير الخدمات للعيادة كما أنها دفعت للطاقم أجور شهري تموز (يوليو) وآب (أغسطس) ونصف أيلول (سبتمبر) بعد أن توقفت لفترة". ولكن المستقبل يبقى ملتبس المعالم إلى حد كبير، على الرغم من اتفاق هشّ لوقف إطلاق النار، الذي يتخلله قصف عشوائي والذي يصمد على نحو واسع في المنطقة منذ أكثر من شهر.