من بين الكم المتلاطم من التعليقات وردود الأفعال التي أعقبت محاولة اغتيال قائد الجيش الحر العقيد رياض الأسعد، تعليق أفاد بأن الاغتيال يرمي إلى «إخماد صوت التشدد» في المعارضة المسلحة ضد النظام السوري. وعُطفت على ذلك التعليق أنباء وتقديرات بأن ثمة خطة لاستهداف «جيش النصرة»، أو ما يعرف في الأدبيات المناوئة ب «التيارات الإرهابية المتشددة» التي تتغذى على فكر «القاعدة»، وتنهل من منابعه. ويرى أصحاب الرأي السابق أن هناك خشية من تمدد «جيش النصرة» بحيث يكون هو البديل المنتظر في حال سقوط نظام بشار الأسد، ومن شأن ذلك أن يخلط الأوراق، ويحول دون التحولات المدنية في سورية ما بعد بشار، وكذلك، وهذا هو الأهم، تهديد المصالح الإسرائيلية، فضلاً عن مصالح الجوار السوري في جهاته ومحاوره كلها. وفي غمرة اختلاط الأجندات، وانعدام اليقين، وتبدّل المواقف، راجت أنباء عن تنسيق إقليمي يرمي إلى ضرب «جيش النصرة» وتمزيقه وإنهاكه، عبر عمليات استخبارية دقيقة داخل سورية، قبل الشروع في فتح مواجهة مباشرة من نظام الأسد، ف «جيش النصرة» الآن هو المتراس الأول الذي، في أحد معانيه، يحمي النظام، ويشكل واقياً له. ولا تعدم هذه التقديرات صوابيتها، لا سيما في ظل التلكؤ الدولي، وخاصة الأميركي ولدى حلف الناتو، عن التدخل المباشر والسريع في حسم المعركة على الأرض، بناءً على المثال الليبي، على رغم تعقد الملف السوري على نحو شديد وخطير، وتعدد اللاعبين الإقليميين فيه حتى لتبدو الأزمة السورية ميداناً لآخر الحروب وأشدها ضراوة في المنطقة. وعلى رغم أن قمة الدوحة الأخيرة زادت من حيرة الحلفاء العرب، خصوصاً في ما اتصل بالملف السوري، إلا أن دور قطر بالتنسيق مع السعودية، ومباركة مصر نحو إحداث الانقلاب السياسي على النظام السوري، أثار حفيظة دول عربية مجاورة، وأخرى خليجية نأت بنفسها عما اعتبرته «غلواً» في حسم ملف شائك، يحتاج برأيها إلى «التؤدة» و «الحكمة»، بعيداً من القفز غير الآمن في الهواء. ومن شأن ارتدادات قمة الدوحة أن تزيد من كثافة الغموض المحيط بالخطوة المقبلة للحسم العسكري الذي يؤكد مراقبون أنه أضحى قريباً، وبخاصة بعد المصالحة الإسرائيلية - التركية، والزيارة المفاجئة التي قام بها وزير الخارجية الأميركي جون كيري لبغداد، ومن قبلها زيارة أوباما إسرائيل والأردن. فتأمين الحدود المحيطة بسورية هو أولى الخطوات لإحكام القبضة العسكرية، مع أن هناك تخوفاً من انفراط الجبهة اللبنانية، وانفلات الجنون الإيراني من عقاله، معطوفاً على أحلام الإمبراطورية الروسية التي قد تدخل المغامرة، وقد تعطل ماكينة التمدد العسكري في سورية. كل هذه الملفات تعقد الأزمة السورية، وتزيد من عدد الضحايا، لأنها في بعض وجوهها تمنح وقتاً للنظام، الذي لم يعد لديه ما يخسره، للبطش والتنكيل، واستخدام الأسلحة الفتاكة التي تجعل مهمة الإعمار طويلة ومكلفة على المستويين المادي والنفسي. المفارقة النازفة في غمرة هذا العماء الضاري تكمن في أن ثمة من يضع شروطاً ومواصفات للبديل الذي يتعين عليه أن يرث الحكم بعد بشار الأسد. ومن يتبنى هذا الموقف كأنه مفارق عالمَ الوقائع، ومحايث للأسطرة، فكيف يتسنى ذلك؟ بيْد أن التحدي الأكبر والحاسم في هذه اللحظة القلقة يقع على عاتق المعارضة السورية التي بان تشرذم واضح فيها بعد قمة الدوحة، وعاد اختلاط الأوراق والأجندة إلى المربع الأول، وسط حال الاستقطاب العنيف والتخلي الأعنف عن المعارضة من أطراف كانت حتى الأمس القريب صديقة وداعمة وتبدي المخاوف وتقدم النصائح. التطورات الأخيرة عقّدت المشهد، وأعادت ترسيم أولويات جديدة، وصدّعت جبهة الداعمين المناصرين للحق السوري، في مقابل تماسك الجبهة المناوئة، وزيادة وتيرة التنسيق الأمني والعسكري والسياسي بينها، وهو ما تؤكده الوقائع على الأرض وفي السماء، وفي المياه الإقليمية! * كاتب وصحافي أردني