العلاقة بين الكُرَة والكره شبيهة بعلاقة عمود الإنارة بالمصباح، لا يكاد المصباح يضيء على الأرض، لكن عمود الإنارة يمنحه أكبر محيط من الانتشار حين يرتفع به إلى أعلى. وحين يكون الكره «حيّة» (من الحيّات) تجد أن الكرة «حيّة» (من الحياة). لا يكتفي الكرويون بالفوز، فهم يريدونه، ليس لسعادة الانتصار، ولكن ليروا كم هي الخسارة شديدة المرارة على منافسيهم! يتعود الفائز على الانتصار، ويتعود المخفق على الهزيمة، وينسى المنتصر مذاق الفرحة، وينسى المهزوم مذاق الحزن، والغالب والمغلوب، على رغم أن نتيجة المباراة تفصل بينهما، يجدان في أفواههما طعماً وحيداً، هو طعم «الكره»، وأما طعم «الكرة» فيضيع أدراج الرياح. أتذكر: في اليوم الذي هزمت فيه إيطاليا فرنسا على نهائي كأس العالم، إثر «نطحة زيدان» الشهيرة لماتيرازي، كنت مشحوناً جداً، وراسلت بالهاتف صديقاً فرنسياً كنت أتعلم على يديه مبادئ اللغة، معبراً عن كراهية عتيدة للمنتخب الإيطالي، فما كان من «يانيس» إلا أن راسلني، وباللغة العربية: «موضوعياً، كانت المباراة جديرة بالمتابعة، وكان الفريقان جيدين». والآن، وأنا أستعيد ذلك، أحاول أن أعرف السرّ: لماذا عوّل الهلاليون كثيراً على بكاء نجل رئيس نادي النصر في مباراة كأس ولي العهد، ولماذا رسموا بملامح ذلك البكاء وجه سعادتهم؟ أحاول أن أجد في ذاكرتي شيئاً يدعم هذا الشعور، فلا أجد سوى شعور كان ينتابنا ونحن أطفال: كنا نبكي لأن الآخرين كانوا يسخرون منا حين نخسر، وليس لأننا خسرنا. قد يقول أحدهم: إن المباراة قديمة، فلماذا تتحدث الآن عنها؟ والجواب من ثلاث جهات: الجهة الأولى: أنني أتحدث عنها لأنه لا يزال ثمة من الهلاليين من يتحدث عن هذه الدموع في المجالس بشعور النشوة والفرح، وكأن سبب فرحه بكاء نجل رئيس النادي وليس الكأس التي تحققت له. والجهة الثانية: أن كثيراً من الأحداث، خصوصاً الكروية منها، تتعمق وتتجذر قراءتها في سلوك الجماهير، ولا بد من التأني في تأملها حتى يمكن للكاتب أن يخرج منها بفائدة، فلاعبو الكرة وإداريو الأندية والجماهير، كل هؤلاء ينتجون ثقافة الكرة وظواهرها، ولكن من يحاول أن يفهم هذه الثقافة والظاهرة هو من يستطيع أن يخرج منها بفائدة يلقيها إلى أعين القراء. والجهة الثالثة: هي أنني حاولت أن أسترجع موقفاً شبيهاً في تاريخ النصر، مشهداً كانت السعادة فيه ببكاء الهلاليين أشد من فرحة الفوز، وبعد قليل من التفكر وجدت الإجابة في مباراة قديمة جرت بينهما، آنذاك لم يكن للنصر أي أمل في بطولة الدوري، وكان يكفي الهلال الفوز أو التعادل ليحصل عليها، وإذا فاز النصر فستذهب البطولة للاتفاق. يومها، خرج عبدالرحمن بن سعود - رحمه الله - وقال: «لن نحصل على بطولة الدوري، ولكننا سنحدد من سيحققها». ويومها، في عام 1403، فاز النصر بفارق هدف وحيد، وحقق لاعبو النصر من المكافآت أكثر مما حصل عليه الاتفاقيون الحاصلون على بطولة الدوري! ولا أعتقد بأن الهلاليين ينسون أيضاً أنه - في ذلك اليوم - لم يكن من بكى نجل رئيس النادي، وإنما كان المنتحب كالثكالى: الكابتن صالح النعيمة. حقاً: نحتاج إلى «حيّةِ كُرْه»، لنحصل على «كُرَةٍ حيّة»! [email protected] abdulwahed1978@