لكل إنسان من اسمه نصيب، ولكل فعل من وطأته رد فعل، ولكل مليونية من عنوانها إسقاط، ف «الإخوان» يكونون إخوة في ما بينهم فقط، والجبهات والحركات والأحزاب والجماعات هي مجموعات لا تمثل سوى نفسها، والشعب جماعة كبيرة أوسع وأشمل وأعم من القبيلة والجماعة والعشيرة، والفعل غير القانوني ينجم عنه إما أزمة أو فوضى أو مطالبة بإعلاء القانون، والمغالبة تؤدي إلى شعور بالإقصاء وغضب من التهميش ورد فعل عنيف. أما العين الحمراء والتهديد، فيؤديان إلى إعلاء شأن «العين بالعين» ورفع راية «ما بنتهددش»! ورحم الله يوسف بك وهبي وعصره وعصر عباراته الذهبية: «يا للمهزلة» و «يا للهول» و «ما الدنيا إلا مسرح كبير»، كما رحم الله أيام «مليونيات الزمن الجميل»، حين كان رجال الفكر وأباطرة الأدب وصناع الإبداع يخرجون علينا بمليونية «العزة والكرامة» و «تحديد المصير» و «الإصرار»، وإذ بكلاسيكية أمس ورُقيِّه يتحولان عشوائية وتدنياً، ومليونيات الزمن الجميل تتحور مليونيات الزمن الجحيم. يخرج الرئيس على شعبه مهدداً إياه، ليس فقط تلويحاً وغمزاً أو بالعين الحمراء أو اليد الحديد، ولكن بأدوات اللغة، التي تحولت لغزاً بين شياطين الداخل والصباع العابث بمصر ومنحدر الصعود، فيخرج بعض الشعب مدافعاً عن الرئيس المغوار لا فض فوه، مؤيداً لما قال، ويجلس بعضهم مطالباً بتفسير ما يقصد الرئيس، وينفجر آخرون حنقاً ورفضاً وغضباً، لكنه رفض من جنس التهديد! جمعة «ما بنتهددش» المقتبس عنوانها من ثقافة العنفوان الشعبي وموروث فتوات نجيب محفوظ المتحور بلطجة وفرض سيطرة في ظل خواء أمني، حيث منازلات الحارات والأزقة انتقلت إلى الجو السياسي العام والشحن الاستقطابي العارم واللعب على المكشوف في ظل النظام الراهن. ويبدو لرجل الشارع العادي، الذي ينتظر بصبر بالغ وحكمة يحسد عليها ما ستؤول إليه جهود الجماعة للاستحواذ، ومناصرة الجماعات الدينية للتمكين حتى إشعار آخر، ومقاومة الليبراليين والثوريين بأدوات متفككة وجبهات متشرذمة، أن مؤلف اسم جمعة أمس «ما بنتهددش» كان يفكر في سياق منظومة من تحدي التهديد، مثل «أعلى ما في خيلك اركبه» أو «أحمض ما عندك اطبخه» أو ما شابه. وصل المشهد السياسي في مصر بين معارضة وسلطة وكنبة إلى مرحلة طرح تساؤلات فلسفية عن مصير القرداتي إن وافت القرد المنية، وتأكيدات اقتصادية بأن من يقول إن مصر ستفلس ف «وقعة في ركبكم»، وتحليلات سياسية للمعارضة بأن «جراب الحاوي مليان، يمد إيدو مرة يطلع حمامة ومرة يطلع تِعبان (ثعبان)»، إضافة إلى أحاديث عملية عن دور الصباع في العبث بمصر، إضافة إلى تخوين كل طرف يقرر تنظيم تظاهرة أو تجهيز مليونية أو تخطيط بدائل لوضع متأزم، ومعهما شعب قسم نفسه بين اصطفاف في طوابير السولار، ومحاولة تأمين نفسه وأولاده في شارع بالغ الانفلات، وهروب إلى كنبة خوفاً من فقدان ما تبقى من اتزان. اتزان الجميع بات في الميزان! فتظاهر شباب من «حركة 6 أبريل» ليل أول من أمس أمام منزل وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم رافعين كل ما يتعلق ب «الداخلية» من إسقاطات، بدءاً بلافتات تلوح بعلاقة غير شريفة بين الوزارة وأي نظام، ومروراً بهتافات تردد أغنيات هابطة، وانتهاء برفع الملابس الداخلية أمام بيت الوزير... أثار غضباً واستنكاراً من قبل الجميع. وامتحان اللغة العربية للصف الثاني الإعدادي، الذي طلب من الممتحنات إعراب «حرة» و «هؤلاء» و «الدولة» في الجملة التالية «حفظ الله الرئيس مرسي وأعانه على الذين يريدون الدمار لمصر من أجل تحقيق مصالح ذاتية لكنهم سيغرقون في بحر التاريخ، عاشت مصر بأبنائها المخلصين حرة وليذهب هؤلاء الخونة إلى الجحيم، ولن تسقط هيبة الدولة»، أثار (الامتحان) حفيظة من حلموا قبل عامين بانتهاء فرعنة الفرعون. وصرعة تحرير التوكيلات تارة لتوكيل وزير الدفاع بإدارة شؤون البلاد للتخلص من «الإخوان» وتارة أخرى لبقاء النائب العام المحسوب على «الإخوان» في منصبه رغم أنف حكم القضاء، زادت من حجم اللغط واللبس واللخبطة في الشارع. ولكن تظل اللخبطة الحقيقية واللبس الأصيل واللغط الأكيد والسؤال العتيد في «مصر رايحة على فين؟!». وبينما يفكر المفكرون ويحلل المحللون ويجتهد الفضائيون ويكفّر المفتون ويهلل المهللون ويبشر «الإخوان» ويندد الليبراليون ويثور الثوريون ويتظاهر المتظاهرون ويبحث عن السولار السائقون وتضرب الملايين أخماساً في أسداس حول مصيرها ومصير أبنائها، ينشغل بعضهم بالتنبؤ بمسمى مليونة الجمعة المقبلة، وذلك بين توقع بمليونية إسلامية ترفع رايات الجهاد بمسمى «ما يستجد خلال الأسبوع والشريعة» أو «ما يصدر عن الرئيس من قرارات والشريعة»، وأخرى معارضة ترفع شعار «الصراحة راحة وإنت ما بتعرفش»، ومليونية شعبية لسان حالها «عبوكو كلكو» (لعنة الله على آبائكم جميعاً)، وهي العبارة التي انتشرت على لسان ممثل كوميدي مغمور وقت الثورة!