تطرح المساعدة القانونية سؤالاً على مجموعة من النساء المشاركات خلال جلسة حول قوانين الأحوال الشخصية، إن كن تعرّضن لعنف من ازواجهن أو أحد أفراد العائلة القريبين. لكن أحداً لا يجيب. ثم تكرر السؤال بعد السكوت لبرهة: «هل يعقل أنه لم تتعرض إحداكن لأي شكل من أشكال العنف العائلي؟!». فجأة تقف فتاة في الثامنة عشرة وتقول: «نعم أنا تعرضت لذلك... والدي تحرش بي مرات كثيرة، وأنا لم أجرؤ على منعه». يتمتم الجميع، مستغربين صراحة الفتاة. ثم تتوالى الروايات... لتبوح 16 امرأة بجرأة بما كتمنه طوال سنوات. فتدرك المحاضرة أن المشكلة لا تكمن في العنف تجاه المرأة فقط، بل في سكوت المرأة عن معاناتها، والذي يعد مشكلة أكبر وعقبة تجدر معالجتها ولا يمكن القفز فوقها. هذه هي حال المرأة اللبنانية إذاً: تتردد حتى في البوح عن مشاكلها. وما سبق مشهد يعكس أحد المعوقات التي تحول دون وصول المرأة الى العدالة. ومن أجل عمق التحدي وطول أمده، أخذت الكثير من الجمعيات الحقوقية والنسائية على عاتقها العمل بكل الوسائل المتاحة للنهوض من أجل تحسين الواقع القانوني والمعيشي للمرأة. وكانت منظمة «عدل بلا حدود» تبنّت مشروع «تمكين المرأة من الوصول إلى العدالة» في لبنان. ويهدف المشروع إلى مساعدة النساء ضحايا العنف والاستغلال ممن يحتجن إلى مساعدة قانونية، من طريق تنظيم حملات توعية ومحاضرات، إضافة الى تقديم استشارات قانونية لهن ومتابعة قضاياهن أمام المحاكم، بالمشاركة مع جمعية «أوكسفام» البريطانية وبتمويل من منظمة «سيدا» السويدية. لكن منظمة «عدل بلا حدود» لم تكتفِ بالمطالبة والعمل ضمن شريحة النساء، بل سلكت معتركاً آخر، فلجأت إلى الرجال، الطرف الأقوى في المعادلة، باعتبار أن السلطة بأيديهم وأنهم أكثر تأثيراً وقدرة على توصيل صوتهم في مجتمع الرجال. على مدار ثلاثة أيام، نُظمت ورشة عمل لمجموعة ناشطين من خلفيات متنوعة، من محامين كنسيين وصحافيين وحزبيين، في إطار «منتدى الرجال» لإشراكهم في حملات دعم وتأييد لقضايا المرأة. يقاطع نديم، مشارك عن حزب «القوات اللبنانية»، الحوار بسؤال بديهي: لماذا نحن؟ هل الهدف هم الرجال أم النساء؟ فتجيبه مريم حداد، مسؤولة المشروع في منظمة «عدل بلا حدود»: «أنتم هنا للتأثير على صانعي القرار، نريد أن يشارك الرجل في الدفاع عن المرأة، لا أن تدافع المرأة عن نفسها فقط». ويوضح رياض عيسى، الذي قاد التدريب خلال الورشة، أن «الرجال هم أكثر قدرة على إسماع الصوت في مجتمعنا الشرقي». وتلفت حداد الى ان «المجتمع قائم على المرأة والرجل، ولا بد من أن يشارك كلاهما في تحسين وضع المرأة، لأن الفائدة ستعود بالنفع على الجنسين»، موضحة أن الورشة ستختتم بخطة عمل تنفيذية يضعها الرجال أنفسهم بما يتناسب مع رؤيتهم للمشروع. ورشة العمل التي أقيمت في فندق «بادوفا» في بيروت تناولت برامجها إعداد الرجال على مهارات التواصل والحشد الجماهيري لمناصرة العمل ضمن فريق عمل، إضافة الى اطلاع المشاركين على وضع المرأة والقانون اللبناني والأهداف المراد تحقيقها من خلال المشروع. ونظراً إلى التنوع الطائفي في لبنان، وبين المشاركين أيضاً، خصصت المنظمة أولى مراحل عملها تجاه المرأة في الطوائف الكاثوليكية. وأصدرت «دليل المرأة في قانون الأحوال الشخصية» لهذه الطائفة حتى يساعدها في معرفة الأحكام والقوانين المتعلقة بالزواج والطلاق وتوابعهما، إضافة الى قائمة برسوم المحاكم المعتمدة منعاً لتعرضها للغش والاستغلال المادي، الأمر الذي قد يثنيها عن المطالبة بحقوقها. وأنشأت «عدل بلا حدود» خطاً ساخناً (800820-70) لتلقي شكاوى النساء من ضحايا العنف، واللواتي لا يستطعن الوصول الى جهات قانونية. كما تقدم المنظمة الاستشارات القانونية التي بلغت حتى الآن 290 استشارة قانونية، فضلاً عن إعطاء محاضرات توعية لأكثر من 600 امرأة، إضافة إلى متابعة قانونية ل36 ملفاً أمام المحاكم الروحية الكاثوليكية، وهي مجانية للنساء الفقيرات.