لا تجد فاتن مرزوق حرجاً في أن تمضي نحو 45 دقيقة داخل دورة المياه لتدخن سراً، بعيداً من عيون زوجها وأطفالها الأربعة الذين يجهلون تماماً أنها مدخنة منذ أكثر من سبع سنوات. تعترف فاتن بأن زوجها كشفها للمرة الأولى وهي تدخن داخل غرفتها، ما جعلها تعطي وعوداً بالإقلاع عن التدخين الذي تجده متنفساً حقيقياً لضغوط الحياة التي تمر بها، في مقابل ألا يصل الخبر إلى والدها وأشقائها، فيما تخفي سجائرها بين أغراض خادماتها التي تعد «مكاناً آمناً» لا يقترب منه زوجها. وتجد فاتن في سفرها الى مدينة جدة، خلال إجازاتها، فضاءً أوسع من بلدتها في إحدى ضواحي منطقة جازان. ففي المدينة الساحلية تتوافر المقاهي التي تسمح بالتدخين والنرجيلة بنكهات متنوعة، لكن ارتيادها تلك الأماكن الأكثر انفتاحاً يبقى رهن خروجها مع سيدات مقربات منها، حتى يطمئن زوجها الى عدم تدخينها. وعلى رغم ذلك، استطاعت أن تقنعهن بالأمر... وب «حريتها الشخصية». تقترب نوف الغامدي (22 سنة) من نافذة غرفتها لتدخن سيجارة كل 4 ساعات حتى لا ينكشف الأمر لوالدها. تستغل فترات الصلاة عندما يذهب والدها الى المسجد، وتبقي النافذة مفتوحة حتى لا تعبق الغرفة برائحة الدخان. وترفض أسرة نوف مبدأ تدخين الفتيات، وتعدّه عاراً وفضيحة اجتماعية. وحين تذهب الى الجامعة حيث تدرس علم النفس في إحدى الجامعات الشهيرة، تتخفى عن أنظار المشرفات تحت السلالم الخارجية للمباني، لتختلي مع السجائر التي تعدّها صديقة وفية ومقربة لها، وتلجأ إليها في حال القهر. تلك الأجواء الخانقة في ممارسة التدخين أجبرتها ورفيقاتها على الخروج من الجامعة قبل انتهاء الدوام، من دون أي اهتمام بالمحاضرات المتبقية، بغية الذهاب الى أقرب مطعم يقدم النرجيلة ويسمح بالتدخين بعيداً من الرقابة الاجتماعية. أما نور، وهي طالبة في الصف الثاني ثانوي - علمي، فتخبئ سيجارتها التي منحتها إياها ابنة خالتها داخل كتاب مادة الرياضيات. وتروي أنه ذات يوم دخل والدها غرفتها فجأة وفتح الكتاب ليطلع على المنهج، ولما وضع يده على سيجارتين بادرها بنظرات غضب وسؤال اندهاش: «ما هذا؟»، أجابته ببرودة: «طبشور»! وانتهى الأمر. وتقول نور إنها ليست مدمنة ولا تريد ذلك، «وما هو إلا مجرد عبث ولهو شيطاني سيذهب مع الأيام... ويصبح من الذكريات»، وفق تعبيرها. أرقام حكومية تشير إحصاءات وزارة الصحة السعودية الى أن نسبة المدخنات في المملكة بلغت 6 في المئة من إجمالي عدد المدخنين. وتكافح جمعيات خيرية عدة هذه الآفة بقصد القضاء عليها، غير أن ضغوط الحياة المتسارعة جعلت الشريحة تتسع لتطاول الفتيات الصغيرات، والتي يؤكد المتخصصون أنهن أكثر عرضة من غيرهن للوقوع في تعاطي المخدرات، فيما رصد هؤلاء ان الفئة العمرية التي تقبل على التدخين تراوحت بين 17 و21 سنة لدى الفتيات. وفيما أصدرت السلطات السعودية قراراً بمنع التدخين في الأماكن المغلقة، بما فيها المقاهي، لجأت بعض صالونات التجميل إلى توفير النرجيلة بغية جذب أكبر عدد ممكن من الزبونات، في حين ترى سيدات أخريات أن التدخين مكمّل اجتماعي لهن. أما جمعيات محاربة التدخين في البلاد، فتقدم خدماتها العلاجية من دون طلب أي بيانات خاصة عن المدخنة، حفاظاً على خصوصيتها.