تتحلق زائرات مهرجان «الساحل الشرقي»، حول «الطواش» سلامة بن علي، لتجريب اللؤلؤ الأصلي الذي يعرضه أمام زوار المهرجان المقام في متنزه الملك عبدالله بن عبد العزيز، في الواجهة البحرية في الدمام. وتسعى كل واحدة منهن لتجريب التزين بما كانت تتزين به جداتهن في الزمن الماضي. بيد أن ما يقدمه هذا الطواش في دكانه، يتجاوز اللؤلؤ الأصلي، فهو يعيد اكتشاف جانب من تاريخ حواضر المنطقة الشرقية الساحلية، مميطاً اللثام عن جزء من هويتها وثقافة أهلها، والبحر الذي كان يوماً مصدر الرزق الوحيد، وأيضاً مصدر زينة نسائها. ويروي الطواش سلامة، لعشاق البحر، ما كان يفيض به عليهم من «خير وعطاء»، سارداً حكايات طويلة، عن البحر، للزوار المتعطشين لأسرار الماضي، سوالف الأجداد. ويبدأ حكايته بالتعريف ب «الطواش»، وهو «التاجر الذي ينقل كنوز الخليج، لمن يقدرها، فينتعش بذلك اقتصاد من يقتاتون على مهنة صيد اللؤلؤ». ويقول سلامة، وهو يستعرض في دكانه بعض اللؤلؤ وأنواعه: «ورثت الطواشة عن أبي، منذ 70 سنة»، لافتاً إلى أن المهنة «تنقسم إلى طواش البحر، وهو من يتلقى البحارة ونوخذتهم على الشاطئ، وطواش البر، هو من يتم صفقاته مع طواش البحر، إما في بيته، أو في القهوة الشعبية». كما يصنف اللؤلؤ بحسب حجمه، إلى «دانة، ثم حصبة رأس، ثم بطن، ثم ذيل، ثم سحتيت». أما وزنه فيقاس بالمثقال. وذكر أنه «يتطلب من كل من يقوم بهذه المهنة أن يكون عالماً بأوزان اللؤلؤ، وتقدير أثمانه، إلى جانب معرفته بالأسعار في السوق أولاً بأول، ولا يلزم أن يكون متعلماً، إنما يكفيه أن يكون ملماً بالمسائل الحسابية التي تعتمد على الذهن والفطنة. ويلزم الطواش أن يكون مصطحباً معه أدوات الوزن المعروفة لدى تجار اللؤلؤ». واعتبر الطواش «رئيس فريق العمل الذي معه في السفينة التي ينتقل بها، هو المسؤول عن بدء السفر، وانتهائه، وتحديد المدة التي يمكث فيها خلال السفر». وأضاف أن «تاجر اللؤلؤ يعتبر الطواش من الدرجة الثانية، نظراً لعدم امتلاكه رأس مال كبير من ناحية، ولعدم قدرته على شراء اللؤلؤ الموجود لدى سفن الغوص من ناحية ثانية. كما أنه قد لا يستطيع شراء لؤلؤة كبيرة مثل «الدانة» أو «الحصباة»، إذا عُرضت بثمن مرتفع، لهذه الأسباب يصنف الطواش على أنه من التجار الصغار». ولفت إلى أن مهنة «الطواش» كان «صاحبها يحتل مركزاً اجتماعياً واقتصادياً بارزاً، ما جعل بعض الأسر والعوائل في المنطقة، ترحب بتزويج بناتها من طبقات معينة في المجتمع مثل النواخذة والطواويش والتجار». واستعرض سلامة، الأدوات التي يحتاجها «الطواش» لشراء اللؤلؤ، إذ «تتم مرحلة تصفيته بحسب حجمه، ولونه، واستدارته. ويستخدم الطواشون قديماً معدات خاصة بهم في صندوق من مكوناته الطاسات التي تعتبر بمثابة المصافي والغرابيل، أو المكاييل التي يعرف بواسطتها تجار اللؤلؤ أحجام اللآلئ، لتحديد أوزانها وأثمانها. ويحتاج الطواش إلى ميزان للتعرف على الأوزان، وهو حساس للغاية، ومخصص للؤلؤ، ويحفظ في علبة نحاسية». وأدى اكتشاف النفط وظهور اللؤلؤ الياباني الاصطناعي، إلى تقليل أرباح استخراج اللؤلؤ، وانصرف الغواصون إلى مهن أخرى، لكسب لقمة العيش، وعلى رغم ذلك لا يزال اللؤلؤ يحتفظ بأهميته في المنطقة الشرقية. بدوره، يقول الطواش خليفة عبد الرحمن الحمد: «إن المهنة كانت تحتل مكانة خاصة عند أبناء الخليج العربي، منذ بدء تجارة اللؤلؤ»، لافتاً إلى أن رأس تنورة كانت «موقعاً يقصده الغواصون والطواشون، وكانت تستغل مواقع استخراج اللؤلؤ، ومعظم ما يستخرج من هذه المناطق من لؤلؤ يصدر إلى البحرين والهند». وأضاف الحمد، الذي يحكي قصته لزوار مهرجان «الساحل الشرقي»، أن «أهل الشرقية ارتبطوا بالبحر بعلاقة وطيدة منذ القدم. إذ كان عماد الحياة والمصدر الرئيس للرزق، وبخاصة في مجال الغوص للبحث عن اللؤلؤ الذي كان يطلق عليه محلياً «القماش». وأضاف «تبدأ رحلات الغوص في الربيع، برحلة قصيرة تسمى «الخانجية»، وتستمر لمدة شهر، يعقبها مباشرة الموسم الرئيس للغوص، وهو ما يسمى ب «الغوص العود»، أي الكبير. والشروع في هذه الرحلة التي تستمر لمدة 4 أشهر و10 أيام، تسمى «الدشة» أو «الركبة». ونهاية هذه الرحلة وعودة السفن إلى الديار يطلق عليها «القفال»، والمقصود بها احتفالية تقام للقاء الغائبين على طول شواطئ الخليج. يشارك فيها النساء والأطفال فرحين بعودة سفن الغوص بعد غياب طويل، وتطلق هذه الكلمة على موعد نهاية الغوص ومعناها العودة».