وجهت القمة العربية في الدوحة أمس في يومها الأول رسائل مهمة في اتجاهات عدة، أولها الحدث السوري الذي تجلى بمشاركة وفد المعارضة السورية في المؤتمر وجلوسه على مقاعد بلاده في المؤتمر، بعدما دعا أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني رئيس «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» أحمد معاذ الخطيب ورئيس الحكومة الموقتة غسان هيتو إلى دخول قاعة المؤتمر والجلوس على مقاعد سورية مع وفد من قيادات المعارضة. وشكلت دعوة أمير قطر إلى قمة عربية مصغرة في مصر لتحقيق المصالحة الفلسطينية تطوراً بارزا آخر في القمة، كما برزت في صدارة المشهد دعوة الخطيب «حلف شمال الأطلسي» إلى اتخاذ قرار بحماية الشعب السوري، وقال «ما زلنا ننتظر قراراً من حلف الناتو حفاظاً على الأبرياء وأرواح الناس وإعادة المهجرين إلى أوطانهم ليعيشوا حياتهم الطبيعية»، وأكد أنه طلب من وزير الخارجية الأميركي جون كيري «مد مظلة صورايخ باتريوت لتشمل الشمال السوري». وفي الدقيقة الأولى عقب بدء الجلسة الافتتاحية، قال أمير قطر للقادة المشاركين «أستأذنكم بدعوة السيد معاذ الخطيب رئيس الائتلاف والسيد غسان هيتو والوفد المرافق لشغل مقعد الجمهورية السورية في القمة». وجرى ذلك وسط تصفيق الحاضرين. وبعدما رحب بمشاركة الائتلاف الوطني والحكومة الموقتة، قال الشيخ حمد «إنهم يستحقون هذا التمثيل لما اكتسبوه من شرعية شعبية في الداخل وتأييد واسع في الخارج، ولما يقومون به من دور تاريخي في قيادة الثورة والاستعداد لبناء سورية الجديدة». وأعتبر أن «الصمت عنها وعن معاناة الشعب السوري داخل سورية وفي مخيمات اللجوء بحد ذاته جريمة»، وقال إن موقف بلاده «بُني منذ بداية الأزمة على ثوابت لم تحد عنها دولة قطر وهي أولاً الوقف الفوري للقتل والعنف ضد المدنيين والحفاظ على وحدة سورية الشقيقة أرضاً وشعباً، وثانياً تحقيق إرادة الشعب السوري بشأن انتقال السلطة، وثالثاً دعم الجهود العربية والدولية والحلول السياسية التي تحقق إرادة الشعب السوري وتطلعاته المشروعة». وأكد «الحرص على وحدة سورية أرضاً وشعباً، وهي مسؤولية أخلاقية وتاريخية نتحملها جميعاً، ولا يجوز لأحد أن يتنصل منها» مشدداً على الوحدة الوطنية (بين السوريين) التي تستوعب الجميع ولا تستثني أحداً، وإقامة نظام لا عزل فيه ولا حجر ولا تمييز بين مواطنيه وبحيث يكون الوطن للجميع وبالجميع». كما عبر عن أسفه «أن يدخل النظام السوري في مواجهة عسكرية مع شعبه، ويرفض كل نداءات الإصلاح الجدّي والمبادرات السياسية العربية حتى بلغت الكارثة حداً لم يعد معه الشعب السوري ليقبل بأقل من الانتقال السلمي للسلطة الذي نصّ عليه قرار جامعة الدول العربية في 22 تموز (يوليو) 2012». ودعا مجلس الأمن إلى أن «يقف مع الحق والعدالة ويستجيب صوت الضمير الإنساني ضد الظلم وقهر الشعوب، وأن يستصدر قراراً بالوقف الفوري لسفك الدماء في سورية وتقديم المسؤولين عن الجرائم التي ترتكب بحق شعبها إلى العدالة الدولية». وجدد التزامه «بالاستمرار في تأمين المساعدة الإنسانية للشعب السوري»، داعياً كل دول العالم إلى ذلك، ومؤكداً «أهمية عقد مؤتمر دولي تحت رعاية الأممالمتحدة لإعادة إعمار سورية فور عملية انتقال السلطة وفقاً لإرادة الشعب السوري». وشدد أيضاً على «أننا مع الحل السياسي الذي يحقن الدماء ويصون الأرواح شريطة أن لا يعيد هذا الحل عقارب الساعة إلى الوراء». المصالحة الفلسطينية وفي الشأن الفلسطيني اقترح الأمير «عقد قمة عربية مصغرة في القاهرة في أقرب فرصة ممكنة وبرئاسة جمهورية مصر العربية الشقيقة، ومشاركة من يرغب من الدول العربية إلى جانب قيادتي فتح وحماس، استشعاراً منا بخطورة استمرار الوضع وانعكاساته، ومن أجل ترتيب البيت الفلسطيني». وشدد على «أن لا تنفضّ (القمة المقترحة) قبل الاتفاق على تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية وفقاً لخطوات عملية تنفيذية وجدول زمني محدد، وعلى أساس اتفاق القاهرة العام 2011 واتفاق الدوحة العام 2012، وأن يشمل ذلك أولاً تشكيل حكومة انتقالية من المستقلين للإشراف على الانتخابات التشريعية والرئاسية، وثانياً الاتفاق على موعد إجراء تلك الانتخابات ضمن فترة زمنية محددة، ومن يتخلف أو يعرقل فسيتحمل مسؤوليته أمام الله والوطن والتاريخ». وشدد على «لا سلام إلا بحل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً ودائماً وشاملاً يلبّي كامل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمها إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف»، داعياً إسرائيل إلى «أن تدرك أن القوة لا تصنع الأمن وأن السلام وحده هو الذي يحقق الأمن للجميع، وأن ممارساتها اللامشروعة أو الاعتداء على حرمة المسجد الأقصى المبارك وتهويد مدينة القدسالشرقية ومواصلة الاستيطان وإبقاء الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، كل هذه الممارسات والسياسات لن تقود سوى إلى إشاعة التوتر في المنطقة وزيادة اليأس والإحباط وسط أبناء الشعب الفلسطيني ووضع المزيد من العراقيل في طريق عملية السلام المتعثرة أصلاً». وقال إن «مسرى النبي محمد عليه الصلاة والسلام الذي بارك الله حوله وهو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين يواجه خطراً شديداً يتطلّب منا عملاً جاداً لدرء هذا الخطر»، مؤكداً أن «الحقوق الفلسطينية والعربية والإسلامية في القدس لا تقبل المساومة وعلى إسرائيل أن تعي هذه الحقيقة». ودعا الدول العربية إلى أن «تبدأ تحركاً سريعاً وجاداً في هذا الشأن»، لافتاً إلى «الحصار الذي يعاني منه قطاع غزة». وأكد «ضرورة التعاون والعمل من أجل تمكين أخوتنا هناك من التغلب عليه وتفعيل كل القرارات الخاصة بإعادة إعمار القطاع». وحض القادة العرب على الاستجابة إلى طموحات الشعوب المشروعة، وقال «على أنظمة الحكم أن تدرك أنه لا بديل عن الإصلاح ولا مجال للقهر والكبت والاستبداد والفساد»، مركزاً على أهمية «إصلاح مدروس مستند إلى رؤية وفكر وإرادة وليس إصلاح الشعارات والوعود الزائفة». وقال «بالإصلاح تستقر أنظمة الحكم، وبالإصلاح تطمئن الشعوب إلى حاضرها ومستقبلها، وبالإصلاح ترتفع معدلات الإنتاج والتنمية ونوفر الحياة الكريمة الآمنة لدولنا وشعوبنا، وبالإصلاح نكسب احترام العالم ونصبح قوة فاعلة ومؤثرة فيه». ودعا إلى الوقوف «بجانب أشقائنا في دول الربيع العربي لاجتياز المرحلة الانتقالية الصعبة التي تتبع أي ثورة شعبية ولا يجوز أن يراهن أحد على حالة الفوضى وعدم الاستقرار في هذه الدول لتنفير الناس من التغيير، كما نتوجه إلى القوى السياسية والاجتماعية في هذه الدول إلى أن تدرك أن إنجاح التجربة هو مسؤوليتها جميعاً، وأن هنالك حاجة ماسة إلى أن يكون التنافس مسؤولاً وخاضعاً لضرورة إنجاح التجربة، هذه مسؤولية وطنية، وهي أيضاً مسؤولية عربية». وقال الشيخ حمد إنه «إذا كان الدعم الاقتصادي العربي مطلوباً لبعض هذه الدول فإنه أكثر إلحاحاً لدول الثورات التي تمر اليوم بمرحلة انتقالية تقتضي الدعم وبالأخص جمهورية مصر العربية الشقيقة، بحكم كثافتها السكانية وأوضاعها الاقتصادية، ولا يمكن لأحد أن ينسى التضحيات التي قدمتها مصر ودورها الكبير تجاه القضايا العربية وأشقائها العرب، لذا فإن تقديم الدعم لجمهورية مصر العربية الشقيقة في هذه الظروف واجب علينا جميعاً». واقترح إنشاء «صندوق معاشات لموظفي الأمانة العامة لجامعة الدول العربية لتوفير الحياة الكريمة بعد سنوات العمر الطويلة التي أمضوها في خدمة الجامعة، وأعلن استعداد قطر للمساهمة في تأسيس هذا الصندوق بمبلغ عشرة ملايين دولار. ولقيت دعوة أمير قطر لعقد قمة عربية مصغرة في مصر للإشراف المباشر على تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية ترحيباً فورياً من الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي.