في مصر أكثر من عشرين حزباً لا تعرف غالبية المصريين منها سوى خمسة على الأكثر، أما بقية الأحزاب فهي لا تشارك في أي نشاط وتكتفي بالحصول على دعم تقرره الدولة في الانتخابات وتظهر صورة رؤسائها في الصحف والمجلات والتلفزيون الحكومي إذا اجتمع مسؤول في الدولة بهم. وعادة لا يتم ذلك إلا في المناسبات الوطنية أو اثناء الأحداث الكبرى. يعرف الناس في مصر الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم لأن اسمه يتردد كثيراً في المحافل السياسية ووسائل الإعلام وحتى في المسلسلات والأفلام والبرامج التلفزيونية، كما يعرفون حزب الوفد والتجمع اليساري والحزب الناصري لكونها تجمعات تعمل من خلالها شخصيات ومواطنون يحملون أفكاراً ويدافعون عن مبادئ معينة، كما فرض حزب الغد نفسه على الناس لمشاركة مؤسسه الدكتور أيمن نور في الانتخابات الرئاسية وما جرى له بعدها. وتقفز اسماء بعض الأحزاب الأخرى إلى الواجهة أحياناً ليس لنشاطها السياسي ولكن للصراعات التي جرت داخلها وعادة ما تكون أخبارها في صفحات الحوارات وسرعان ما يختفي الحديث عنها بعدما يدخل الصراع داخلها نفقاً مظلماً. وقبل أيام رفضت لجنة شؤون الأحزاب التي تضم مسؤولين ووزراء ينتمون إلى الحزب الوطني الحاكم، إضافة إلى عدد من القضاة الحاليين والسابقين، منح حزب "الوسط" ترخيصاً بمزاولة نشاط سياسي وهي المرة الثالثة التي يخوض فيها مؤسسو الحزب صراعاً سياسياً وقضائياً لمحاولة انتزاع الترخيص من دون فائدة. واللافت أن السبب الذي استندت فيه اللجنة إلى رفض منح وكيل مؤسس الحزب المهندس أبو العلا ماضي وزملائه الترخيص هو نفسه الذي كانت بررت به عدم منح الترخيص للحزب في المرتين السابقتين. والمؤكد أن ماضي وزملاءه سيلجأون إلى القضاء للاعتراض على القرار وسيخوضون نضالاً قضائياً غير معلوم النتيجة، علماً أنهم في المرتين السابقتين خسروا أيضاً في المحكمة كما خسروا في اللجنة التي رأت في المرات الثلاث أن برنامج الحزب لا يتضمن جديداً ولا يختلف كثيراً عن البرامج الأخرى الموجودة على الساحة، وأن بنود البرنامج هذه المرة هي ذاتها التي كانت وردت في البرنامجين اللذين كان ماضي وزملاؤه اعتمدوا عليهما في الطلبين السابقين. لا تذكر اللجنة أن سبب الرفض هو أن ماضي وبعض مؤسسي الحزب انتموا فترة إلى جماعة «الإخوان المسلمين»، وأن بعض المسؤولين لديهم شكوك بأن المسألة "تقسيم ادوار" وأن أعداداً من «الإخوان» قد ينضمون إلى "الوسط" إذا نال الترخيص وعندها سيصبح حزباً "بحق وحقيق" ويمكن أن ينافس الحزب الوطني الحاكم. على العموم ما زالت التجربة الحزبية في مصر تحتاج إلى مزيد من القناعات لدى القائمين على الأمور بأن الزمن تغيّر وأن استمرار وجود الأحزاب "الديكورية" لا يفيد البلاد أو العباد، وأن الناس لا تصدق أن النظام الحزبي سليم وأن الديموقراطية صارت واقعاً طالما بقيت الدولة (تنفخ) في بعض الأحزاب وتسعى لمنحها الترياق لتفيق من غفوتها كلما أرادت الدولة ذلك، وفي الوقت نفسه تحجب عن النظام الحزبي أحزاباً أخرى يحظى الراغبون في تأسيسها بخبرات سياسية حقيقية نتيجة مخاوف من منافستها للحزب الحاكم أو شكوك في علاقات تربطها بجماعة «الإخوان المسلمين». شخصياً أعرف ماضي وغالبية رموز الوسط وعلى يقين بأن التناقضات بين الوسط و «الإخوان» تفوق التناقضات بين الوسط والحكومة أو «الإخوان» والحكومة وأن جماعة «الإخوان المسلمين» تتمنى ألا ينال ماضي وزملاؤه الترخيص تماماً كما حال بعض المسؤولين في الدولة. الوضع الحزبي في مصر يحتاج إلى إرادة سياسية لدى الحزب الحاكم وباقي رموز السلطة في مصر من دون ضغط من الخارج وبعيداً من قصة التوريث التي تحولت إلى سجال لكسر العظم بين النظام والحزب الحاكم من جهة والمعارضة بمختلف أطيافها السياسية من جهة أخرى. ويبقى اليقين في المشهد السياسي المصري أن الحزب الوطني يرى أن صراعه مع جماعة «الاخوان» التي لا تتمتع بالشرعية القانونية أسهل من مواجهته لأحزاب حقيقية، ولا يحتاج الأمر سوى مراجعة تجربة الوسط منذ سعي القائمين عليه الى نيل "الترخيص" للمرة الأولى في منتصف التسعينات من القرن الماضي، ليبدو جلياً أن "الوطني" و»الإخوان» يعتقدان أن المشهد السياسي الآن هو الأفضل بالنسبة اليهما.