قدم الشاب خالد سبعاوي (25 عاماً) مع عائلته من كندا الى رام الله عقب اقامة السلطة الفلسطينية عام 1994، واستثمر مع والده رجل الاعمال في إنشاء ثلاث شركات تجارية، آملاً في الاستقرار في الوطن الذي عاشت العائلة وهي تحلم بالعودة اليه والعيش فيه. لكن اسرائيل فرضت عليهم اخيراً اجراءات جعلت بقاءهم وعملهم وإقامتهم في الضفة الغربية امراً بالغ الصعوبة والتعقيد، اذ تتطلب منهم هذه الاجراءات مغادرة البلاد مرة كل شهر من اجل تجديد تأشيرة الدخول (الفيزا). وفوق ذلك تشترط «الفيزا» الاسرائيلية عليهم التحرك فقط في مناطق السلطة الفلسطينية، الامر الذي يحول دون دخولهم القدس واسرائيل حيث ترتبط شركاتهم بعلاقات عمل مع شركات اسرائيلية. يقول خالد: «حياتنا وإقامتنا هنا تحولت الى جحيم»، مضيفاً: «انا مضطر لمغادرة البلد مرة كل شهر، فكيف استطيع والحال هذه تنظيم شؤون عملي واجتماعاتي؟». وكانت اسرائيل بدأت اجراءات طاردة بحق الاجانب في الاراضي الفلسطينية منذ عام 2006، في خطوة فسرتها مؤسسات حقوق الانسان على انها تهدف الى حرمان الاجانب من اصل فلسطيني من العمل والاقامة في وطنهم. وفرضت تلك الاجراءات على كل اجنبي يدخل البلاد التزام المدة الزمنية التي تنص عليها «الفيزا» وهي ثلاثة اشهر. وفي حال المخالفة، يطرد من البلاد ويحرم من العودة اليها. ولم تكتف اسرائيل بتلك الشروط القاسية، بل عملت اخيراً على اضافة شروط اخرى اكثر تعقيداً عليها، منها رفض السماح لهذه الفئة من الزائرين، وغالبيتهم العظمى فلسطينيون يعيشون في الخارج، من الدخول عبر المطار الاسرائيلي، وتطلب منهم التوجه الى جسر «ألِنبي» الفاصل بين الضفة والاردن، وهناك تمنحهم «فيزا» سياحية بفترة اقامة لمدة شهر واحد فقط، وتحصر تنقلهم في اراضي السلطة الفلسطينية فقط. وخلّفت الاجراءات الاسرائيلية هذه آثاراً اجتماعية وإنسانية واقتصادية مدمرة على المتضررين منها الذين تصل أعدادهم الى الآلاف. وقالت منسقة «الحملة من اجل الحق في الدخول» سلوى دعيبس ان «عائلات كثيرة مُزّقت، وأعمالاً كبيرة انهارت بسبب الإجراءات الاسرائيلية هذه». وأضافت سلوى وهي احدى المتضررات من هذه الاجراءات: «ثمة عائلات انقسمت الى قسمين، قسم في الوطن وقسم خارجه، وثمة شركات وأعمال لم يعد اصحابها قادرين على العودة الى البلاد لإدارتها». وكان كثير من العائدين الى البلاد من هذه الفئة من الزائرين تزوج وأنشأ أُسراً في البلاد. لكن السلطات طردته ومنعته من الدخول ثانية، ما اضطره إما للعيش منفصلاً عن اسرته، او لحمل اسرته على الهجرة والعيش معه في الخارج. وألحقت الاجراءات الاسرائيلية، على نحو خاص، أضراراً بكبار السن الذين يواجهون صعوبات في الحركة الدائمة. ومن بين هؤلاء الاميركية بيتي النجاب، وهي في السبعين من عمرها ومتزوجة من فلسطيني من قرية جيبيا قرب رام الله، والتي قالت ان الاجراءات الاسرائيلية تفرض عليها مغادرة البلاد مرة كل ثلاثة اشهر وهي امرأة عجوز. وأضافت: «هذا متعب جسدياً ومكلف مادياً». وتوفي زوج النجاب قبل ثلاثة اعوام، لكنها بقيت تعيش في بيتهما الذي اقاماه بعد عودتهما الى القرية. وقالت: «انا من نورث كارولاينا، لكن بيتي هنا في جيبيا، وانا اريد ان اعيش في بيتي بصورة دائمة ومن دون قيود واجراءات تفرض علي السفر والتنقل الدائم». وبدأت «الحملة من اجل الحق في الدخول» اتصالات مع الممثليات الاجنبية العاملة في القدس من اجل الضغط على اسرائيل لوقف هذه الاجراءات بحق رعاياها. والتقى وفد من الحملة امس مع المسؤولين في القنصلية السويدية بصفة السويد الرئيس الدوري الحالي للاتحاد الاوروبي. وقالت سلوى ان ممثلي الحملة سيلتقون الممثليات الديبلوماسية المختلفة في البلاد، مضيفة: «نحن رعايا لهذه الدول، وعليها التدخل من اجل راحة رعاياها». وحظيت الإجراءات الاسرائيلية باهتمام لافت من وزارة الخارجية الاميركية التي اصدرت بياناً وصفتها فيها بأنها «غير مقبولة». وأعلنت وزارة الخارجية الاميركية عن احتجاجها على هذه الاجراءات لدى الجانب الاسرائيلي. اذ قال الناطق باسم وزارة الخارجية ايان كيلي في رد على سؤال لأحد المراسلين في وقت سابق من الاسبوع: «أحطنا الحكومة الاسرائيلية علماً بأن هذه القيود تؤثر بصورة غير عادلة في المسافرين الفلسطينيين والأميركيين العرب، وهي غير مقبولة». وأضاف: «ابلغنا الحكومة الاسرائيلية في شكل متكرر ان الولاياتالمتحدة تتوقع معاملة جميع المواطنين الأميركيين بطريقة متساوية بغض النظر عن اصولهم الوطنية او جنسياتهم الأخرى». واعترفت اسرائيل بالإجراءات الجديدة، لكنها بررتها قائلة انها جاءت من اجل «اعتبارات امنية»، و «كوسيلة للتأكد من ان افراداً يشكلون تهديداً امنياً لن يتمكنوا من التجول في انحاء اسرائيل». ونقلت صحيفة «جيروزاليم بوست» الاسرائيلية في عددها الصادر اول من امس عن مسؤول اسرائيلي قوله ان «بعض الارهابيين» الاجانب تمكن في الماضي من مهاجمة اسرائيليين بعد لقاء اشخاص لهم صلات بهم في مناطق خاضعة للسيطرة الفلسطينية. ونشرت القنصلية الاميركية في القدس معلومات عن الاجراءات الاسرائيلية الجديدة على موقعها الالكتروني. وجاء في النص المنشور على الموقع: «ان القنصلية لا يمكنها فعل شيء للمساعدة في تغيير وضع التأشيرة هذا. فقط مكاتب الارتباط الاسرائيلية في الضفة يمكنها المساعدة، لكنها نادراً ما تفعل ذلك. يجب ان يكون المسافرون متيقظين، وأن ينتبهوا الى نوع الختم الذي يحصلون عليه عند الدخول».