بكثير من التحفظ ومحاولة التهرّب من التفاصيل، خشية من نظرة المجتمع، المحاربة للمنتمين أو المتعاطفين مع التنظيمات الإرهابية، حاول ذوو المُبتعث المفقود مشعل عائش البلوي في سيدني، من أهله وأقاربه إيصال نداءات عبر «الحياة»، حول لغز اختفاء ابنهم، المستمر منذ زهاء أسبوعين، من دون معرفة مصيره، على رغم أن المؤشرات تدل على انتقاله إلى مناطق «النزاع» بغرض «الجهاد»، عبر السفر إلى ماليزيا، وهو ما أكدته لهم السفارة السعودية في أستراليا، بحسب قولهم. ولم يدم هذا التحفّظ طويلاً، إذ كشف سالم عائش البلوي، وهو الشقيق الأكبر للمفقود، عن «التغيّر الفجائي» الذي طاول أخاه، ما أدى إلى «انعزاله، وعدم مشاركته أهله الجلسات العائلية المعتادة المليئة بالضحك والنكات والعفوية» بحسب قوله، لافتاً إلى أنه كان «مهووساً بلعب كرة القدم، ولا يفارق «البلاستيشن». وعزا ذلك التغيّر إلى «تشدده الديني الذي كان ملاحظاً عليه منذ عيد الفطر الماضي». وبحسب كثير مما يتردد من أنباء حول رغبة المفقود في الالتحاق بصفوف التنظيمات الإرهابية، وتحديداً «داعش»، وأنه كان يحدّث والدته باستمرار عن ذلك. فيما يكون ردها «الرفض القاطع»، ولم يستبعد سالم ذلك، موضحاً أنه «احتمال كبير»، مبدياً عدم معرفته «إن كان ذلك حدث من عدمه، إلا أنه رجح «التغرير بشقيقي من جانب تنظيمات إرهابية، وهذا أمر مؤكد بنسبة تفوق 85 في المئة». وقال سالم البلوي ل «الحياة» أمس: «كان أخي طبيعياً ولا يعاني من شيء أثناء دراسته في أستراليا، ثم جاءنا متغيراً بعد إجازة عيد الفطر الماضي». وأوضح أن أخاه «اختلف بنسبة 180 درجة مئوية». وأوضح أن التغيّر الذي طرأ على أخيه كان «دينياً، إذ لوحظ عليه الالتزام والاهتمام بالصلوات في أوقاتها، ولم نلحظ عليه تصرفات غريبة، أو تواصلاً مع جهات مشبوهة». وكشف أن أخاه أصبح «منعزلاً قبل اختفائه، فكان يجلس بمفرده في معظم الأوقات مبتعداً عن أهله وإخوته، وجلساتهم المستمرة. وكان يشاهد التلفاز باستمرار، ولم ندقق في نوعية القنوات التي يختارها»، مؤكداً أن أخاه كان «مهووساً بلعب كرة القدم مع أصدقائه قبل السفر للدراسة، إضافة إلى لعب «البلاستيشن». إلا أنه أخيراً كان يقدم النصائح الدينية بعد التغيّر الذي طرأ عليه في الخارج، ولا نعلم أسبابه». ولم يصمت شقيق المفقود البلوي، تجاه هذه التغيرات، إذ أوضح سالم أنه قام بالحديث معه وسؤاله عن أسبابه. وأشار إلى أن أخاه برر اختلاف تصرفاته ب «أمور الغربة والهداية». وأبدى عدم معرفته إن كان أخوه عرض على والدته رغبته في السفر للجهاد. وقال: «لم تخبرنا الوالدة بذلك، ولكنه أمر وارد»، موضحاً أنه «متيقن من ذهاب أخي إلى سورية عبر ماليزيا، بنسبة 80 في المئة». ودفع طول الفترة الزمنية من دون التوصل إلى خيط لحل هذا اللغز المتمثل في الاختفاء في ظروف غامضة، ذوي البلوي، إلى التواصل من جديد مع زملائه الذين يشاركونه يومياته الدراسية لمعرفة ما إذا كان هناك من قام بالتغرير به للسفر. ووصلتهم ردود وإجابات «إيجابية الانطباع، بأنه جيد دراسياً وأخلاقياً». وهذا ما أكده أيضاً ابن خالته سلمان مفلح البلوي ل «الحياة». وقال البلوي: «إن مشعل البلوي ذهب للدراسة قبل نحو عام، ثم عاد متشدداً دينياً»، موضحاً أن «التغيّر كان واضحاً عليه، ما يرجح احتمالات ذهابه إلى سورية، على رغم عدم اتضاح الأمر هذا لدينا. وكل ما نريده هو عودته حياً كي يطمئن قلب والدته عليه»، لافتاً إلى أنها «تراجع المستشفى يوماً، لتدهور حالها الصحية بعد اختفاء ابنها في ظروف غامضة». وأكد أن ابن خالته المفقود «كان يقضي معظم وقته في تصفح الإنترنت، لأكثر من خمس ساعات يومياً». وكشف سلمان أن «السفارة السعودية في أستراليا تواصلت مع أحد إخوته ووالدته. وأبلغتهم أنه موجود في ماليزيا، ويجري البحث عنه»، لافتاً إلى أنهم لا يعلمون شيئاً عن مصيره، وما إذا كان غادر ماليزيا إلى دولة أخرى، ومنها إلى سورية، مطالباً بمساندة الجميع، «للبحث عن المفقود، وإيصال المعلومات التي تفيد عن أماكن وجوده، لتطمئن قلوبنا وتهدأ نفوسنا، التي لم تذق طعم الراحة منذ غياب مشعل». السفارة السعودية في أستراليا تتقصى مصير «المفقود» أكدت السفارة السعودية في أستراليا تواصلها الدائم مع ذوي المفقود مشعل البلوي. ولفتت إلى أنها تتابع مجريات القضية مع الأجهزة الأمنية لمعرفة أسباب الاختفاء. وقامت السفارة بتكليف جهة مختصة بهذا الشأن، لتقوم بدورها بالاهتمام بالإجراءات التي تخلص ملف المفقود مع الجهات المعنية. وأوضحت شؤون الطلبة السعوديين في السفارة أنها تسعى للحصول على «معلومات أكثر وأشمل بشأن القضية». ولفتت إلى أن التواصل يكون بشكل مباشر مع ذوي المفقود، وذلك «بمساندة السلطات». يذكر أن الملحقيات التعليمية حذرت في وقت سابق، المبتعثين من «الانسياق خلف الدعوات المحرّضة للذهاب إلى الدول التي تشهد قتالاً»، مؤكدة أنه سيتم «إنهاء ابتعاث من يثبت ذهابه أو حتى تخطيطه للذهاب، بعد التحقق الدقيق من الحالات سواء التحريضية أم التي اتجهت فعلياً، بحسب التوجيهات الصادرة من وزارة التعليم العالي»، مشددة على «التعامل النظامي الصارم مع جميع الحالات المخالفة». وعلى رغم ذلك سجلت ساحات الصراع في العراق وسورية وجود سعوديين مُبتعثين، قرروا ترك مقاعد الدراسة الجامعية وحمل السلاح للقتال إلى جانب حركات تُصنف في السعودية أنها «إرهابية»، مثل «داعش» و»النصرة». فيما فقد بعضهم حياته في الاشتباكات الدائرة هناك، وبينهم سعودي كان يدرس الطب في الأردن.