استيقظ القبارصة والمقيمون في الجزيرة صباح أمس، على صدمة تحميل مدخراتهم في المصارف جزءاً من كلفة إجراءات تفادي الإفلاس. إذ أبرم وزراء مال دول منطقة اليورو، في تحوّل جذري عن خطط إنقاذ دول أخرى مثل اليونان وإرلندا والبرتغال وإسبانيا، اتفاقاً لإقراض الجزيرة المكبلة بالديون 10 بلايين يورو (13 بليون دولار)، في مقابل تنازل المودعين عن 10 في المئة من مدخراتهم، التي ستؤمّن 5.8 بليون يورو. ويشمل هذا الإجراء القبارصة والأجانب خصوصاً الروس، لكن وزير المال القبرصي ميخاليس ساريس، أكد أن هذه المساهمة «ستُعوّض بتوزيع أسهم بنسبة 100 في المئة». وأثار هذا الإجراء، من ضمن الاتفاق الذي شمل رفع الضريبة على الشركات من 10 في المئة إلى 12.5 في المئة وتدابير أخرى منها التخصيص، غضب القبارصة والمقيمين، وتجمّعوا في صفوف صغيرة أمام ماكينات الصرف الآلي المنتشرة في أنحاء الجزيرة لسحب الأموال. لكن عمليات السحب هذه، لن تمنع فرض الرسم على حساباتهم، إذ لفت نائب رئيس معهد المحاسبين في القطاع العام في قبرص ماريوس سكانداليس، أن «المبالغ المتصلة بالضرائب جُمدت ولا يمكن تحويلها». واضطرت جمعيات الائتمان التعاونية إلى إغلاق أبوابها للحؤول دون سحب الودائع. وازدحم موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» بتغريدات الناس الغاضبين أمس. وحدّد الاتفاق ضريبة نسبتها 9.9 في المئة على الودائع التي تتجاوز 100 آلاف يورو، و6.7 في المئة على أي مبلغ يقل عن هذا الحد. وسيصوّت البرلمان مبدئياً اليوم، على هذه الضريبة التي لا سابق لها، قبل أن تفتح المصارف أبوابها صباح الثلاثاء لمصادفة غد الاثنين يوم عطلة. وقال رئيس لجنة الشؤون المالية في البرلمان نيكولاس بابادوبولوس في تصريح إلى وكالة «رويترز»، أن «رد فعلي الأولي أشبه بالصدمة»، معتبراً أن القرار «أسوأ كثيراً مما توقعنا، ويتناقض مع ما كانت تؤكده لنا الحكومة حتى ليل أمس». وكان شركاء قبرص في منطقة اليورو، أبدوا عدم رغبتهم في إنقاذها، إذ أشار بعضهم إلى أنها «تعجّ بالأموال الروسية». لكن الإحصاءات تظهر أن «لدى غير المقيمين 37 في المئة فقط، من 69 بليون يورو، يقدر بأنها في حوزة النظام المصرفي القبرصي». ويتزامن التئام البرلمان، مع اجتماع طارئ للحكومة اليوم يعقده الرئيس القبرصي نيكوس اناستاسيادس، بعد عودته إلى الجزيرة أمس، وفق ما أشارت وكالة الأنباء القبرصية. ورأى رئيس مجموعة «يوروغروب» يروين ديسلبلويم، أن الضريبة على الودائع هي «ضريبة استقرار ستفرض لمرة واحدة». ولفت إلى أن «للوضع في قبرص خصوصية» بسبب «قطاعها المصرفي المتخم، لذا رأينا أن فرض ضريبة على المودعين مبرّر». وقال «تُضاف إليها عمليات تخصيص وزيادة الضريبة على الشركات من 10 إلى 12.5 في المئة». وأكد ديسيلبلوم «نحن لا نعاقب قبرص، ونقف إلى جانب الحكومة، وهذه هي السلة التي ستسمح بإعادة هيكلة القطاع المصرفي». وأكدت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، التي ستشارك مؤسستها في خطة المساعدة القبرصية، أن «الحل المعروض دائم وثابت ويخدم مصلحة الاقتصاد القبرصي». ورجّح مصدر ديبلوماسي أوروبي، أن «تبلغ مساهمة الصندوق بليون يورو». ورأى ساريس، أن «الإجراءات المتخذة جنّبت اقتطاعات في الرواتب ومعاشات التقاعد، وفرض رسم على الصفقات المالية الذي كان سيشكل كارثة». وأشار إلى أن «الضريبة ستُجبى الثلاثاء بعد أن يصوّت البرلمان على القرار». ومن اليونان، طمأنت وزارة المال المودعين، إلى أن الودائع في فروع المصارف القبرصية «لن تخضع للرسم الاستثنائي على الودائع، فهي غير معنية بالقرار، كما لم يتأثر استقرار النظام المصرفي به». وكانت قبرص طلبت مساعدة مالية من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد، تتيح لها تعويم مصرفيها الرئيسيين الغارقين بسبب الأزمة اليونانية. لكن الجهات الدائنة لم تكن مستعدة لمنحها 17.5 بليون يورو، أي ما يعادل ناتجها الداخلي، خشية عجزها عن تسديد مبلغ كبير جداً وانفجار الدين إلى مستويات لا يمكن التحكم بها في حال دُفع. وفي الختام، ستصبح الديون القبرصية بنسبة 100 في المئة من الناتج الداخلي عام 2020. وستتجه قبرص أيضاً نحو روسيا المقربة منها اقتصادياً وثقافياً، لكن مساهمتها ستكون محدودة. إذ أعلن المفوض الأوروبي المكلف الشؤون الاقتصادية أولي رين، أن روسيا «مستعدة لتمديد تسديد قرض بقيمة 2.5 بليون يورو يستحق عام 2016، وخفض معدلات الفائدة، ولا تتوقع الذهاب أبعد من ذلك». ويناقض الاتفاق ما كانت تعتبره الحكومة «خطاً أحمر» وتجاوزته، أي الضريبة على الودائع، والزيادة على ضريبة الشركات. بيان الوزراء ورحّب وزراء مال منطقة اليورو أمس، في بيان إعلان الموافقة على منح قبرص حزمة إنقاذ، ب «الاتفاق السياسي مع السلطات القبرصية»، مشيراً إلى أن البرنامج «سيرتكز إلى تنفيذ الإصلاحات المالية والهيكلة المطلوبة الرامية إلى دعم التنافسية فضلاً عن النمو المتوازن والمستدام». ونوّه البيان، بالخطوات التي اتخذتها السلطات القبرصية بهدف «اعتماد إجراءات مالية جرى التوافق عليها مع المفوضية الأوروبية، بالتعاون مع المصرف المركزي الأوروبي، وصندوق النقد الدولي، خصوصاً في ما يتعلق باعتماد إجراءات الدعم التي تشكّل نسبة 4.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي». وأشاد ب «التزام السلطات القبرصية تعزيز الجهود في مجال التخصيص». وأكدوا ثقتهم بأن «المبادرات التي أقرتها قبرص، إضافة إلى تطبيق الإصلاحات ستتيح لجزيرة إبقاء دينها العام، المتوقع أن يشكّل 100 في المئة من الناتج المحلي عام 2020، مستقراً، وتعزيز نموها المحتمل». واعتبر الوزراء، أن المساعدة المالية «أُقرّت لقبرص بهدف ضمان الأمن المالي فيها وفي منطقة اليورو».