ليس أجمل من تلك الفرصة التي وفرتها لي وزارة الإعلام بدعوتي وتمكيني من حضور حفلة توقيع كتبي، كان مشهداً تاريخياً لكاتبة سعودية أن تجلس على منصة توقيع الكتب بحضور الإعلاميين والإعلاميات وتحت حراسة الأمن المشددة كي تتمكن من توقيع كتابها. وقد استمتعت بلقاء قراء لم يحرصوا فقط على اقتناء كتابي، بل وعلى أن يقدموا لي أنفسهم وآمالهم ومعايشتهم مع ما كتبت. كل الذين لقيتهم تلك الليلة من نساء ورجال، شباب وشابات تركوا في نفسي أثراً، ومنهم ذلك الشاب الذي بعمر ابني أحضر معه والدته كي تدافع عن رغبته في التصوير معي، وشابة تدرس في بريطانيا تحلم بأن تكون وزيرة للتربية والتعليم، وطبيبة للأمراض المزمنة أخبرتني أنها ضمن أصدقائي في موقع «فايسبوك» وتقرأ مقالتي كل صباح، لكن أبلغ حديث قصير دار بيني وبين قارئ هو مع شاب طليق للتو خرج من سجنه قال لي: «كنت أطالع مقالاتك في السجن، ولي قصة طويلة لن يسمح لي الوقت بسردها»، وحين سألته عن تهمته قال لي: «إرهابي، لكنني تغيّرت وأصبحت أقرأ بنهم». كم كانت دهشتنا كبيرة كمثقفين ومثقفات ونحن نعيش حالاً بديهية، وهي أن معرض الكتاب الدولي عاد ليصبح تظاهرة ثقافية، لا يمتلئ فقط بالكتب بل وأيضاً بالحديث حولها، وبأمسيات الشعر والمحاضرات ولقاء المثقفين وحواراتهم، وتوقيعات الكتب، وخلت منها معارك المحتسبين. وازدهر المعرض بمليون ونصف المليون في ثلاثة أيام، وتوقعات الشراء قد تفوق ال50 مليوناً بنهاية المعرض. منذ أن دخلت المعرض وأنا أشاهد المثقفين والمثقفات الذين حرصوا هذا العام على الظهور بتقديم ثمار مشروعهم الثقافي، كما فعل خالد الدخيل في كتابه «الوهابية بين الشرك وتصدع القبيلة»، ومحمد بن محمود بكتابه «تكفير التنوير»، وترجمة الدكتور عبدالله العسكر لكتاب «الدعوة الوهابية والمملكة العربية السعودية»، وحمزة المزيني بكتاب «المتخفي»، ورواية «زيارة سجى» لأميمة الخميس، و«المختلف» لهناء حجازي، وكثيرون غيرهم ممن لا تتسع المقالة لذكرهم. مثقفونا الذين طالما اتهموا بأن ليس لديهم مشروع، ها هم يبرزون كحقيقة واعية متبصرة لا كظاهرة منهزمة يعملون قدر ما استطاعوا. فأصبح السعوديون الآن يشترون ويقرأون لمفكرين سعوديين، فيما كانوا سابقاً يقرأون فقط لعرب وأجانب. منصة توقيع الكاتبات للنساء أقصيت بعيداً عن منصة توقيع الرجال، على رغم أن المعرض مشترك بين الرجال والنساء - وبالمناسبة فإن المشترك هو الأصوب من المختلط - ووقف رجال الهيئة على مقربة مني يراقبون المشهد وأنا أوقّع كتابي، النساء فقط يسمح لهن بالاقتراب مني ومد كتبهن لي لأوقعها، بينما وُضِع بيني وبين الرجال طوق أحمر أبقوهم خارجه، وتأخذ المشرفة الكتاب من يد الرجل وتعيده إليه، كل هذا كي لا يغضب المحتسبون، الذين حرصوا ألا يمد لي زميلي كتابي مباشرة كي أوقعه له بينما وافقوا على أن يمد رجل في محال بيع الملابس الداخلية، فليس من العيب أن يمد الرجل بيده الملابس الداخلية للمرأة، لكن من العيب أن يمد الرجل كتاباً لامرأة. رآني قارئ وأنا واقفة عند دار الساقي فمد لي روايتي وطلب مني توقيعاً، فجاء رجل الهيئة ونهرني قائلاً: «توقيع الكتب في الدور ممنوع، فقط في المنصة». إذا اتفقنا في أقصى حالات التشدد البيروقراطي على أن هذه مخالفة، فهي مخالفة إدارية يقوم على تصحيحها المشرفون، فأين المنكر فيها كي تصبح من تخصص رجل الحسبة؟ على رغم هذا فإن الناس والمثقفين سعداء هذا العام بما تحقق، متفائلون. بل إن بعضهم امتدح رجال الهيئة ولطفهم وتبسطهم مع الناس على عكس الأعوام الماضية، وأكدوا أنهم توقفوا عن سحب الكتب التي لا تعجبهم، «هل هذا تحول طيب؟ ما كان من الأول!». [email protected]