صنو الرجل وشقيقته، خلقهما الله لعبادته، ولم يفضل أحدهما على الآخر، لم يفضل الرجل لمجرد أنه رجل، ولم يفضل المرأة لمجرد أنها امرأة، إنما التفاضل بين الرجل والمرأة، وبين الرجل والرجل، وبين المرأة والمرأة، له معايير أخرى غير الذكورة والأنوثة، تلك المعايير تتمثل في الإيمان بالله وطاعته، وطاعة رسوله في ما يبلغ عن الله، ثم العمل الصالح على أساس تقوى الله عز وجل، وفى ذلك يقول الله في كتابه العزيز: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا* إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ* إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) «الحجرات - 13»... «هذا هو أساس التفاضل بين الناس جميعاً». ولما أمر الله الناس بتقواه ذكرَّهم بفضله عليهم، إذ خلقهم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، ثم امتن على الناس بأنه كثَّرهم رجالاً ونساءً، فأشرك كثرة النساء مع كثرة الرجال، ولم يحصر الفضل ولا التكثير على الرجال وحدهم، فقال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً) «النساء - 1». وحين إمتن الله على الناس بإنجاب الذرية، وسمى هذا الإنجاب هبة منه وفضلاً، قدَّم الإناث على الذكور في مقام الامتنان بهذه الهبات، فقال سبحانه: (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ*أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً) «الشورى - الآيتان 49 و50). إن الإسلام بعد تقرير المساواة بين الرجل والمرأة في معنى الإنسانية، والكرامة البشرية والحقوق التي تتصل مباشرة بالكيان البشري المشترك، والمساواة في عموم الدين والتشريع، يفرق بين الرجل والمرأة في بعض الحقوق وبعض الواجبات، تبعاً للاختلاف الطبيعي الحاسم بينهما في المهام والأهداف، والاختلاف في الطبائع التي جُبِل عليها كل منهما؛ ليؤدي بها وظيفته الأساسية، وهنا تحدث الضجة الكبرى التي تثيرها المؤتمرات الخاصة بالمرأة وروادها، ويثيرها المنتسبون للحركة النسوية العالمية ومقلدوها في العالم الإسلامي، المروجُون لفكرة المساواة التماثلية بين الجنسين. إن المساواة في معنى الإنسانية ومقتضياتها أمر طبيعي، ومطلب عادل، فالمرأة والرجل هما شقا الإنسانية، والإسلام قرر ذلك بصورة قطعية لا لبس فيها، أما المساواة في وظائف الحياة وطرائقها فكيف يمكن تنفيذها؟ هل في وسع هذه المؤتمرات والحركات النسوية ومنتسبيها من الرجال والنساء، بقراراتهم واجتماعاتهم أن تبدل طبائع الأشياء؟ وأن تغير طبيعة الفطرة البشرية؟ إن ميزة الإسلام الكبرى أنه دين ونظام واقعي، يحكم في مسألة الرجل والمرأة على طريقته الواقعية، المدركة لفطرة البشر، فيسوي بينهما حين تكون التسوية هي منطق الفطرة الصحيح، ويفرق بينهما حين تكون التفرقة هي منطق الفطرة الصحيح، قال تعالى: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) «الملك - 14». بذلك فإن أي فكرة أو حركة تقوم على مصادمة السنن الاجتماعية والفطرة البشرية، مصيرها الفشل الذريع، والخسران المبين، وهذا سبب فشل حركات تحرير المرأة - حتى في العالم الغربي - في تحقيق ما تصبو إليه، على رغم مرور أكثر من قرن ونصف القرن على انطلاق هذه الحركة، وهذا يفسر وجود الحركات المناهضة في المجتمعات الغربية، التي تزداد مع الوقت، كلما ظهرت الآثار السلبية القاتلة للحركات النسوية؛ ولذا يكون من العقل والحكمة أن تعتبر المجتمعات الإسلامية بمآلات تلك المجتمعات، وأن تبدأ من حيث انتهت، لا من حيث بدأت، وأن تتخذ من ذلك شهادة على حكمة ما جاء به الإسلام في شأن المرأة. من أجل ذلك يجب أن نواصل التنقيب عن النفائس والدرر، لنُطلع العالم على كنوزنا الحقيقية، لكي نكشف الوجه المشرق النقي للإسلام حتى لا ينخدع المسلمون بالأدعياء وينساقوا وراءهم، لذلك لن نجد نظاماً غير الإسلام واءم كل المواءمة في تقرير الحقوق والواجبات في جانب الرجل والمرأة، مثلما واءم الإسلام في هذه المجالات، ثم انتشل الإسلام المرأة من أوحال الحضارات الوضعية، وجعل لها ما جعله للرجل من المساواة والعزة والكرامة بما لم يسبق له مثيل في تاريخ البشر إلى هذه العصور التي ازدهرت فيها المعرفة الإنسانية، وبلغت آفاق السماء. [email protected]