أعتمد مجلس الأمة في الكويت قانون «الصندوق الوطني لرعاية المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتنميتها». ويهدف الصندوق إلى توفير أدوات تمويل للأعمال الصغيرة والمتوسطة التي تطرح أو يبادر بها المواطنون الكويتيون، خصوصاً الشباب، لتمكينهم من إنشاء هذه المشاريع وتعزيز نشاط القطاع الخاص. حدد رأس مال الصندوق ببليوني دينار كويتي، كما اشترط القانون على المشروع المؤهل للحصول على تمويل، ألا تزيد كلفته على 500.000 دينار كويتي من دون احتساب قيمة الأرض. كما نص على إمكان حصول أصحاب المشاريع الصغيرة على أراض من الدولة بموجب عقود حق الانتفاع. سبق للحكومة أن أنشأت شركة لتمويل المشاريع الصغيرة قبل أكثر من عقد، كما أودعت محافظ مالية لدى «بنك الكويت الصناعي» وشركات أخرى، لتمويل هذه المشاريع بشروط ميسرة. بيد أن التمويلات من قبل هذه المؤسسات، أو من خلالها، لم تزد على السبعين مليون دينار. يجب التأكيد أن معظم المؤسسات، أو المنشآت الاقتصادية في الكويت، خارج القطاع العام أو القطاع النفطي، هي في حقيقة الأمر مؤسسات أعمال صغيرة، تمثل وفق الإحصاءات الرسمية نحو 85 في المئة من إجمالي المؤسسات الخاصة في الكويت، ولا تزيد أعداد العاملين في أي منها عن العشرة. وهي مملوكة في غالبيتها من قبل الوافدين غير الكويتيين ويتمثل فيها الكويتيون بصفة كفلاء شكليين يتقاضون أتعاباً سنوية أو شهرية. ومنذ بداية عصر النفط وتدفق الوافدين من عرب وهنود، فإن الكثير من هؤلاء تعاملوا مع متطلبات وحاجات السوق في الكويت وأنشأوا مؤسسات تعمل في مختلف النشاطات. ونظراً لمتطلبات القانون فقد أشرك هؤلاء الوافدون، الكويتيين شكلياً كي يحصلوا على التراخيص من قبل الجهات الحكومية المختصة. أعمال هذه المؤسسات تعتمد على جهد الوافدين سواء كانوا ملّاكاً أو عاملين... هذه الأعمال لبت حاجات المستهلكين للسلع والخدمات في شكل مهم وهي تساهم في الناتج المحلي الإجمالي بمستويات لا بأس بها، من جانب القطاعات غير النفطية أو الحكومية. وهناك أعداد محدودة من هذه المؤسسات مملوكة كلياً من الكويتيين أو تشغلهم. لذلك فإن المسألة ليست في افتقار البلاد للأعمال أو المشاريع الصغيرة بقدر ما هي لملكية المواطنين وعملهم فيها. وإذا قوّمنا المشاريع التي أنشئت خلال العقدين الماضيين وحصلت على التمويل الحكومي المريح من قبل الشركات والمحافظ التي تأسست، فإننا سنجد أعمالاً عدة ومتكررة لكنها لا توظف أعداداً مهمة من الكويتيين. هناك مشاريع مثل المطاعم أو المقاهي أو صالونات تجميل السيدات أو العيادات الطبية، استفادت من تمويل الشركات والمحافظ التي سبق ذكرها.. ويتبين من قائمة الأعمال أنها ليست ذات جدوى اقتصادية ولا تملك حظوظاً كبيرة في النجاح ولا يمكنها أن توظف المواطنين نظراً إلى طبيعة أعمالها. ليس هناك الكثير من الكويتيين الذين يمكن أن يعملوا في المطاعم سواء كانوا من العاملين في المطابخ أو الندلاء، كما إن من النادر أن تجد من يعمل في أعمال التجميل أو الحلاقة. أما العيادات فربما تجد الأطباء، من الرجال والنساء، لكن من الصعب توفير المساعدين والممرضين أو الكتبة من بين المواطنين. من جانب الجدوى الاقتصادية يمكن الزعم بأن تكرار المنشآت في النشاط الواحد يزيد المنافسة الشرسة ويحتم على الملاك مواجهة التزامات كبيرة في ظل إيرادات محدودة. قد تكون ظاهرة التقليد، من الأسباب التي دفعت هؤلاء المواطنين لإنشاء تلك المشاريع الصغيرة بيد أن الجهات الممولة كان يجب أن تقوّم دراسات الجدوى بشكل رشيد قبل إقرار أي تمويلات لها. ومن المؤكد أن الكثير من هذه الأعمال سيواجه صعوبات لتوفير الأموال لمواجهة خدمة الديون خلال السنوات المقبلة. ومهما كان المستوى المعيشي في الكويت مرتفعاً فإن هناك محدودية للإنفاق الاستهلاكي خصوصاً إذا علمنا أن ثلثي السكان هم من الوافدين وغالبيتهم من أصحاب الدخول المحدودة، وهم، أيضاً، لا ينفقون نسبة مهمة من مداخيلهم داخل البلاد. إن دعم المشاريع الصغيرة يظل عملاً مشروعاً ومقبولاً ولكن يجب أن يقترن برؤية واضحة لدور هذه المشاريع في العملية الاقتصادية. وينتظر أن يعتمد مجلس إدارة الصندوق العتيد معايير ملائمة لتقديم التمويل والدعم للمواطنين. بيد أن من المفترض أن يكون المعيار الأول إنشاء مشاريع ذات جدوى اقتصادية تتوافر لها الميزات النسبية التي تقودها إلى النجاح. لذلك يجب أن تعتمد مشاريع تخلق أنشطة جديدة وحيوية. أما المعيار الثاني فهو قدرة هذه المشاريع على توظيف المواطنين أساساً، خصوصاً من حملة الشهادات التعليمية العالية. كذلك يجب أن تكون من نوعية الأعمال التي تعتمد على كثافة رأس المال لا كثافة العمالة حتى تتوافق مع الأوضاع الكويتية. في موازاة تلك المشاريع، على الدولة تطوير النظام التعليمي خلال السنوات المقبلة ليوفر اليد العاملة الوطنية الماهرة والتي يمكن أن تعمل في أي من المشاريع التي ستتمول من هذا الصندوق. أخيراً، أن معضلة الاقتصاد الكويتي المتمثلة في الاعتماد الواسع على الحكومة وإنفاقها، ومحاولات الدولة إيجاد أنظمة جديدة لتوظيف المواطنين خارج أطر الدوائر الحكومية ومؤسسات القطاع العام، تدفع للتفكير ببدائل مثل هذا الصندوق. لكن هل يكفي ذلك لمعالجة هذه الأوضاع البنيوية الصعبة؟ الأموال لمعالجة المصاعب الهيكلية ليست كافية. فما هو مطلوب في الكويت هو تطوير سياسات وإستراتيجيات اقتصادية عصرية تعتمد قيماً وفلسفات عقلانية وواقعية يمكن أن تمكّن البلاد من التحرر من آليات الاقتصاد الريعي ومنظومته. * كاتب متخصص في الشؤون الاقتصادية - الكويت