رغبات مختلفة ودوافع متنوعة، كانت وراء هجرة إعلاميين سعوديين إلى دول عدة، بحثاً عن أعمال تحويهم ويجدون فيها أنفسهم. دبي.. تلك المدينةالإماراتية التي باتت في العقد الأخير مجمعاً لعدد كبير من الإعلاميين من جنسيات عربية وغير عربية، كانت وجهة مجموعة من الإعلاميين السعوديين على مدى الأعوام القليلة الماضية، فبعد روّاد الهجرة أمثال الأخوين حافظ وعثمان العمير وعبدالرحمن الراشد ومطر الأحمدي ومحمد التونسي، اختار سعود الدوسري الاتجاه ذاته في العقد الأخير من القرن الماضي، تبعه تركي الدخيل مع بدايات القرن الحالي، ثم بتال القوس، ليتوافد بعد ذلك عدد من الإعلاميين في قطاعات مختلفة، ما بين تلفاز وإذاعة وصحافة، تقاسموا الشهرة والوصول وانقسم الجمهور بين تقبّلهم ورفضهم. لم يكن السنّ عاملاً مؤثراً لدى الكثير من المهاجرين، فالعشريني والثلاثيني وحتى الأربعيني، اتّفقوا على اختيار وجهات جديدة، طامحين إلى وصول أكبر أو راغبين في خوض غمار جديدة، أو حتى ساعين إلى التعرّف على الواقع الإعلامي خارجياً. مدير تحرير صحيفة «إيلاف» الإلكترونية سلطان القحطاني، أراد تطوير قدراته من خلال ممارسة العمل البحثي والدراسي في مجال الإعلام في بريطانيا، إضافة إلى الاطلاع على تجارب مختلفة على مستوى الوسائل الإعلامية، حتى تكوّنت لديه رؤية تتمثّل في أن العمل وسط بريطانيا له طقوس مختلفة عن غيرها من البلدان. يقول القحطاني: «العمل هو العمل في أي مكان، لكن المشكلة في عالمنا العربي أن حدود الحرية ليست واضحة، بعكس ما أجده في الغرب الذي يحوي قوانين محددة لك وعليك، وهذا ما يجعل الأمر مريحاً أن تعمل في بيئة منظّمة. حتى على مستوى الإعلام الجديد، نجد أن «تويتر» في السعودية أكثر حرية من أميركا نفسها، ولكن في الجانب السلبي، إذ يمكن لأي شخص أن يتّهم آخر بأي فعل، ويقذف بأية تهمة، ثم لا نجد جهات تحاسبه وتوقفه بحزم وصرامة». ويعتبر أن الواقع الإعلامي المحلي لا يزال يعيش صحافة الثمانينات المحلية، مشيراً إلى أن تجديد الدماء لا يظهر إلا في شكل طفيف، وهذا ما يدفع الإعلامي الطموح إلى البحث عن فرصة أخرى خارجية، مضيفاً: «الفرصة يمكن الحصول عليها، على رغم أن الإعلاميين السعوديين لا يثقون في بني جلدتهم، بل يحاربونهم، ويعتبرون أن الأجنبي أقل خطراً عليهم، فالبعض لديهم العقدة من الإعلامي السعودي لدرجة إقصائه من المؤسسة الإعلامية باعتباره عبئاً زائداً». وللعروض المغرية دور فاعل في اتجاه الإعلامي السعودي للخارج، فالمذيع في قنوات أبوظبيالرياضية عمر الجغيمان، وجد أن العرض المقدّم له يستحق أن يترك شبكة راديو وتلفزيون العرب «أي آر تي»، التي كانت على وشك التوقّف. ويضيف الجغيمان: «الضغوط في الخارج أقل مما هي عليه محلياً، كما أن إمكان صقل الموهبة متاح في شكل أكبر، وهذا ما وجدته في أبوظبي التي منحتني فرصة للظهور على الشاشة في أقوى دوري كرة قدم بالعالم، على رغم قلّة خبرتي في ذلك الوقت، فقرار الانتقال إليها لم يستغرق مني وقتاً طويلاً، خصوصاً أن العمل ضمن فريق الدوري الإنكليزي ويتيح لي خوض تجربة تقديم البرامج في المسابقات العالمية، وهذا له مردود إيجابي، ويمكن القول إنني حصلت على أكثر مما توقعت». ولا يختلف الأمر كثيراً لدى المذيع في قناة دبيالرياضية مشعل القحطاني، الذي تلقّى عرضاً من مؤسسة دبي للإعلام، وفي غضون أسبوعين تمّ الاتفاق والتوقيع، معتبراً أن تقدير الموهبة والمعاملة بمبدأ الثواب والعقاب، يشكلان ميّزة في العمل الإعلامي في الإمارات، واصفاً المقابل المادي المحلي للإعلامي في السعودية ب«المجحف». ويضيف: «التحفيز والدعم يُعدّان من أبرز ما يبحث عنه الإعلامي، ومع انتقالي خارج السعودية وجدت ذلك في شكلٍ كبير، إضافة إلى تقدير الموهبة ومنح الثقة وإعطاء الصلاحيات في إطار العمل في شكل أفضل، وكذلك المعاملة بمبدأ الثواب والعقاب الذي كان غائباً في فترات سابقة في العمل الإعلامي السعودي، بحيث يُمنح المجتهد حقه في فرص الظهور، وأن يطبّق العقاب لمن يتجاوز، لكي نجد المنافسة حاضرة بقوة بين العاملين في المجال الإعلامي، فما يحدث في الكثير من الحالات هو منح فرص الظهور بالقرعة من دون الأخذ بالاعتبار مبدأ الأفضلية والتميّز». وذكر أن العدل والتقدير في الجانب المادي يشكّل أهمية بذاته، مشيراً إلى أن ذلك لا يظهر في الشكل المناسب بالعمل الإعلامي الحكومي المحلي، واصفاً إياه ب«المجحف».