في عالم الطاقة تتكرر بعض الأسئلة: أي البلدان هو أكبر منتج للنفط في العالم؟ وأيها أكبر مستورد صاف للنفط في العالم؟ وفي أي بلد تحققت أكبر زيادة في إنتاج النفط والغاز خلال السنوات الماضية؟ وأين يقع أفضل النفوط في العالم؟ وأين يقع أرخص النفوط في العالم؟ أكبر منتج للنفط في العالم هو روسيا، وأكبر مستورد صاف للنفط هو الصين، وحصلت أكبر زيادة في إنتاج النفط والغاز في العالم في السنوات الماضية في الولاياتالمتحدة، ويوجد أفضل أنواع النفوط في الولاياتالمتحدة، فشركة «كونتيننتال ريسورسز»، وهي من أكبر الشركات المنتجة للنفط في حقل ألبكان في ولاية داكوتا الشمالية، عرضت أنواعاً من نفطها في مدينة هيوستن الأميركية قبل نحو أسبوعين، وكان بعضها صافياً كالماء. وعلى رغم جودة النفوط الأميركية الجديدة، إلا أنها تباع بأسعار بخسة. لهذا، فإن أرخص النفوط في العالم مقارنة بنوعيتها تتوافر في الولاياتالمتحدة حيث تباع أحياناً بسعر يقل بواقع 40 دولاراً للبرميل عن السعر العالمي، لعدم وجود أنابيب تنقلها إلى الأسواق، ولمنع الحكومة الأميركية تصدير النفط الخام. نعم، تغير عالم الطاقة، وسيستمر في التغير. قبل نحو خمس سنوات فقط، كانت وكالة الطاقة الدولية ومنظمة «أوبك» ومؤسسات أخرى تتوقع أن يستمر نمو الطلب على النفط في أوروبا وأميركا، وزيادة الاعتماد على واردات النفط من دول «أوبك». وانقلبت الأمور رأساً على عقب، واستمر انخفاض الطلب على النفط في أوروبا وأميركا الشمالية، وانخفضت واردات النفط الأميركية، وانخفض الاعتماد على دول «أوبك». وثمة من يعتقد بأن ما نشهده في عالم الطاقة هو «فقاعة» ستنفجر قريباً. ويعتمدون على مقالات منشورة على الإنترنت، لا تتناقض مع الواقع فقط، بل تتناقض أيضاً مع أبسط قواعد المنطق، الأمر الذي يفسر عدم نشرها في صحف ومجلات ومواقع مرموقة. والغريب أن غالبية هذه المقالات كتبها أشخاص لا علاقة لهم بعالم النفط والغاز من قريب أو بعيد، ومع هذا يصر البعض في الدول النفطية على صحتها. نعم قد لا تستمر ثورة النفط والغاز هذه في الولاياتالمتحدة، لكن عدم استمرارها لا يعني أنها كانت فقاعة. يتفق الخبراء على أن المقصود بالفقاعة أن يضخم المتعاملون في الأسواق القيم أكثر من مستواها الحقيقي. وتنفجر الفقاعة عندما تعود القيم إلى مستواها الحقيقي. وهذا يعني أن هناك نوعاً من التحكم من جهة، والخداع من جهة أخرى. فهل ينطبق هذا على ثورة النفط والغاز التي تشهدها الولاياتالمتحدة؟ بما أن أسعار الغاز الطبيعي في الحضيض، وأقل من التكلفة في بعض الأحيان، لا يمكن أن نقول بفقاعة سعرية. وأسعار الخامات الأميركية أقل من غيرها، فخام غرب تكساس، الذي كان سعره تاريخياً أعلى من سعر خام «برنت» البريطاني بدولار أو دولارين للبرميل، أقل من سعر برنت الآن بنحو 15 إلى 20 دولاراً للبرميل. هل هناك «فقاعة» كمية؟ هل الإنتاج المعلن أقل من الحقيقي؟ لا يمكن أن يكون الأمر كذلك لأسباب كثيرة، منها أن خطوط الأنابيب والشاحنات والقطارات التي تنقل النفط مملوكة من شركات غير تلك المنتجة، والإنتاج مراقب من هيئات تابعة لحكومات الولايات وللحكومة الفيديرالية لأسباب ضريبية وبيئية، كما أن المبالغة في إنتاج الشركات المدرجة في أسواق الأسهم يؤدي إلى محاكمة الشركات ومسؤوليها، وقد ينتهي الأمر إلى سجن المسؤولين. أما على صعيد الاحتياطات، فالقوانين الأميركية والأوروبية صارمة ولا تسمح للشركات إلا بإضافة الاحتياطات التي يمكن إنتاجها فعلاً في ظل الأسعار الحالية. وحصل في الماضي أن خفضت شركات احتياطاتها، ليس بسبب عدم وجود النفط والغاز، بل لأن القوانين تجبرها على اتباع تعريف معين للاحتياطات المقومة بأسعار السوق، ما يعني بالضرورة انخفاض الاحتياطات الرسمية. لكن هذا الخفض لا يعني وجود فقاعة، ولا يعني أن هناك مشكلة في قطاعي النفط والغاز. وفيما يمكن تعيين شركة محايدة لتقويم احتياطات الشركات الأميركية وقيمها، لا يمكن التأكد من الاحتياطات التي تعلنها دول أخرى بما فيها دول «أوبك». لهذا فإن من غرائب الأمور أن يشكك مسؤولون في احتياطات الشركات الأميركية التي يمكن التحقق منها، في وقت لا يمكن التأكد فيه مما يقوله هؤلاء عن احتياطات بلدانهم. أخيرا، زاد إنتاج الغاز الطبيعي الجاف في الولاياتالمتحدة بمقدار 30 في المئة منذ 2006. وبدلاً من أن يستمر إنتاج النفط في الانخفاض، ارتفع بمقدار 29 في المئة منذ 2008، وانخفضت الواردات النفطية بمقدار 22 في المئة منذ 2006 في وقت ارتفعت فيه صادرات المشتقات النفطية. هذه حقيقة، وليست فقاعة! أما الحقيقة الأخرى، فهي الريوع الشهرية التي توزعها الشركات الأميركية لقاء الغاز الطبيعي المستخرج من أملاك خاصة، علماً أن ما من شركة في العالم توزع ريوعاً في مقابل لا شيء. * اقتصادي في شركة «إن جي بي» الأميركية