بدأت إحدى منظمات المجتمع المدني في اليمن أخيراً استثمار مسرح الدمى كوسيلة للترفيه والتوعية السياسية في الوقت نفسه، من خلال التنقل في الأحياء الشعبية والحدائق العامة وتقديم مسرحيات باللهجة الدارجة تحاول تقديم مضامين توعية وتثقيف. «مؤسسة شباب شفافية وبناء» أطلقت مشروعها الفني والتوعوي في خيمة الحوار الوطني في ميدان التحرير في صنعاء، وقدمت عملها الأول الذي عرّف بالنظام الاتحادي ودوره في تعزيز مبادئ الحكم الرشيد، منطلقة من كون فن الدمى وسيلة توضيحية لسرد القصص ذات الدلالات الإنسانية أو السياسية. وقال رئيس المؤسسة أكرم الشوافي إن «مسرح الدمى» من أهم وسائل التواصل الفعالة مع الجمهور»، وإن مجموعة من شباب منظمات المجتمع المدني تسعى من خلال هذا المسرح الذي لم يكن معروفاً على نطاق شعبي واسع في اليمن، إلى مخاطبة فئات عمرية مختلفة وإيصال رسائل التوعية بلغة مبسّطة وسهلة. تناولت المؤسسة في العرض الاول لمسرح الدمى النظام الاتحادي (الفيدرالية) وآثاره الإيجابية على المجتمع ودوره في إشراك اليمنيين في إدارة شؤون بلدهم. ويقول الشوافي إن آلية وُضعت من أجل المعالجة اللازمة لمواجهة القلق الشعبي الكبير الذي ارتبط بموضوع الانتقال من نظام الحكم المركزي إلى نظام الحكم اللامركزي، وتعزيز فكرة تحديد الأقاليم بالآثار الإيجابية التي ستعود على اليمنيين في حالة تطبيق هذا النظام، وأهمية الانتقال إلى الحكم الاتحادي الذي ستتعزز من خلاله مبادئ الحكم الرشيد والعدالة والمساواة بين المواطنين، وكذلك تسهيل الخدمات والمعاملات الحكومية التي كانت في السابق مرتبطة بالسلطة المركزية. ويشرح الشوافي أهمية مسرح الدمى في إيصال الرسائل الاجتماعية والسياسية بقوله: «تعتبر الفنون الشعبية بشكل عام وفن مسرح الدمى بشكل خاص من أهم وسائل التواصل الفعالة مع الجمهور. ورأينا في مؤسسة «شباب شفافية» أنه يمكن توسيع قاعدة الاتصال مع المجتمع اليمني بشكل أفضل، بابتكار وسائل تواصل تستطيع مخاطبة فئة واسعة من المجتمع، بلغة مبسطة وسهلة من خلال «مسرح الدمى اليمني»، وكذلك المساهمة في تعميق المفاهيم الحقوقية ونشرها وحل الكثير من القضايا الإنسانية بأسلوب فني». وعن مدى نجاح هذه التجربة الفنية في اليمن وأبرز أهدافها، يشير الى ان «مسرح الدّمى هو فن شعبي قديم جداً، يعود أصله إلى الثقافات الآسيوية القديمة. ازدهر في البلاد العربية مباشرةً بعد سقوط الأندلس في نهاية القرن الثالث عشر. وكان وسيلة لتسلية الناس الى جانب خيال الظل، لرواية القصص ذات دلالات إنسانية أو سياسية من دون الاحتكاك مع الحكام. كان مسرح الدمى يعبّر عن الأوضاع الاجتماعية والسياسية». وأمِل الشوافي ب «أن تمثل العروض المسرحية بواسطة مسرح الدمى فرصة لتعريف اليمنيين بفن ذي تأثير على المستويين الاجتماعي والشعبي يتيح لنا إيصال الأفكار المتعلقة بتوعية المواطنين». وتمثلت الخطوة الأولى لتنفيذ مشروع مسرح الدمى اليمني، في كتابة النصوص والسيناريوات المسرحية وصناعة الدمى التي استخدمت في العروض، كما أقيمت ورشة تدريبية لفريق المسرح حول محاور السيناريوات. وسيتم إعداد المونتاج للعروض المسرحية لإضافة بعض العبارات التوعوية الخاصة بالأقاليم وبمبادئ الحكم الرشيد ومن ثم نسخها على أقراص مدمّجة وتوزيعها على الفئات المستهدفة. وفي خطة المؤسسة ايضاً، عرض 18 مسرحية دمى حية في أماكن عامة ونشر مونتاجات العروض على «يوتيوب» ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة. يذكر أن مسرح الدمى والعرائس هو من الفنون التي عرفها جنوب اليمن منذ وقت مبكر وارتبطت بمسرح الطفل. وبدأ مسرح العرائس في مدينة عدن في منتصف الثلاثينات من القرن الماضي، وكان يعرف ب «الكركوس» وهو اسم مأخوذ من التركية ويعني «الدمى المتحركة»، وكان يعرضها شخص يُعرف باسم «شمسان حنبص»، يُتقن ملاعبة الدمى ويعرضها في المناسبات الدينية والأعياد وزيارة الأولياء وموالدهم. وكان يتنقل من عدن إلى الحج وفق المناسبات ويقدم الكثير من القصص باللهجة الدارجة وبشكل فكاهي ومن واقع الحياة اليومية، ما جعله يجذب الصغار والكبار على رغم أنه كان أمّياً. أما مسرح العرائس الحديث وفق الأديبة اليمنية الراحلة رمزية الارياني، فقد عرفته عدن عام 1982 على يد الممثل والمؤلف أبو بكر القيسي. إلا أنه لم يستمر طويلاً بسبب اعتماد القيسي على شخصية واحدة، ثم ما لبث أن انشغل الفنان بتصوير مسلسلات تلفزيونية للأطفال. واليوم عاد مسرح الدمى الى المشهد الثقافي اليمني، ولكن هذه المرة مرتبطاً بقضايا توعوية وترفيهية، وليس كفن مستقل بذاته. وعمد عدد من المؤسسات المدنية إلى إحياء هذا الفن، كما اختير الفنان صدام العدلة ممثلاً لليمن في الاتحاد الدولي لمسرح العرائس «UNIMA». والعدلة أسس فرقة لمسرح العرائس، وبدأ العمل في هذا المجال العام 2004، من خلال نشاطه في إحدى منظمات المجتمع المدني.