في طريقه من منزله في مدينة الخبر، إلى مقر عمله في شاطئ نصف القمر، يبتهل غرمان الشهري، إلى الله ألا يتم استدعاؤه اليوم لمباشرة حالة، ليس لأنه يشعر بالملل، أو لا يحب عمله ولكن لأن هذا العمل مُرتبط ب «الكوارث» فهو يتولى قيادة وحدة البحث والإنقاذ في شاطئ نصف القمر، التابعة إلى حرس الحدود في المنطقة الشرقية. مئات «الكوارث» مرت على المُقدم غرمان الشهري، ورفاقه في عملهم، الذي يُشعرهم أيضاً ب«الفخر»، فهم يساهمون في إنقاذ الأرواح من الموت غرقاً، بيد أن رؤية المتوفين تبث الأسى في نفوسهم، وبخاصة إذا نجم عن الحادثة وفاة أكثر من شخص، وغالباً ما يكون هؤلاء المتوفون من عائلة واحدة. يقول في حديثه ل«الحياة»: «نؤدي عملنا بكل احترافية، ولا نشعر بالضعف أمام ما نواجهه من مآسٍ، ولكن حين نعود إلى منازلنا ونرى أطفالنا وزوجاتنا، نشعر بألم شديد يعتصر القلوب». ويؤكد الناطق الإعلامي في حرس الحدود بالمنطقة الشرقية العقيد محمد الغامدي في تصريح إلى «الحياة» أن أكثر ما يُعاني منه زملاؤه هو «الإنقاذ العائلي والجماعي». ويقول: «شاهد أفراد حرس الحدود من دوريات البحث والإنقاذ، عدداً من المشاهد المأسوية، آخرها حادثة وقعت أخيراً، لعائلة مكونة من سبعة أشخاص، أربع نساء، وثلاثة رجال، كانوا على متن زورق مُستأجر، ونزلت إحدى الفتيات لممارسة السباحة، وتعرضت إلى الغرق، فنزلت شقيقتها لإنقاذها، ومن ثم بقية الأسرة، على رغم أن لا أحد منهم يجيد الإنقاذ»، مضيفاً تم «إنقاذ العائلة بأكملها، من دون أن يتعرض أحد منهم إلى أي سوء». ولكن قبل شهر من الآن، وفي أحد المُنتجعات الشاطئية، نزل الابن (11 عاماً) لممارسة السباحة، وتعرض إلى الغرق، فقام والده بإبلاغ حرس الحدود، وقبل وصول فرق الإنقاذ بدقائق نزل هو وحارس المنتجع إلى البحر لإنقاذ الابن، فتعرضوا جميعاً إلى الغرق. ويكمل الغامدي «قمنا بإسعاف الابن والحارس، ولكن الأب توفي وهو في طريقه إلى المستشفى». وإذا كانت الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، شهدت إنقاذ 80 شخصاً من الغرق، فإن حرس الحدود في الشرقية سجل وقوع 7 حالات وفاة بسبب الغرق، إحداها لرجل في الستين من عمره، والبقية لشباب دون العقد الثاني من العمر. فيما سجل العام الماضي تسع حالات وفاة من مُختلف الأعمار. ويستدرك الغامدي: «الحالات التي يتم إنقاذها من الغرق قبل الوفاة، كثيرة جداً، ونتعامل معها بشكل شبه يومي، وبخاصة في الإجازة الصيفية، وذلك بسبب قلة الوعي، وعدم التقيد بإرشادات السلامة»، مضيفاً أن «90 في المئة من حالات الوفاة بسبب الغرق، أو لمن يتم إنقاذهم، تحدث بسبب عدم التقيد بإرشادات السلامة، والتحدي والمجازفة من جانب الشبان، إذ يقومون بالسباحة في الأماكن، التي يحظر فيها ذلك، فعلى رغم وجود لوحات، تشير إلى عدم صلاحيتها إلى السباحة، يصرون على النزول، نتيجة لقلة الوعي. فكان الحل تكثيف عدد الدوريات، إضافة إلى حملات التوعية». بدوره، يؤكد قائد وحدة البحث والإنقاذ في شاطئ نصف القمر المُقدم غرمان الشهري، أن أفراد البحث والإنقاذ في حرس الحدود مدربون على التعامل مع حالات الوفاة بسبب الغرق، ليكونوا مُهيئين نفسياً للتعامل مع تلك الحالات، من خلال دورات يخضعون إليها بالتنسيق مع الهلال الأحمر والشؤون الصحية». ويضيف: «المُنتسب إلى حرس الحدود، وتحديداً في البحث والإنقاذ، على دراية كاملة بكيفية التعامل مع الحالات، التي يواجهها، كما يكون لديه دافع ذاتي لمواجهة ذلك، وإلا لما كانت لديهم جاهزية إلى العمل». ووقعت أصعب الحالات التي واجهاها الشهري، في مركز شاطئ نصف القمر، قبل سنتين، حين حاولت أم أن تنقذ طفلها، الذي تعرض إلى الغرق، فتوفي الاثنان، وكانا ملتصقين في بعضهما». وأضاف: «هناك خُطة عمل نسير عليها يومياً، وذلك بحسب الأعداد التي تتوافد على الشاطئ».