استقال وزير المال الفلسطيني الدكتور نبيل قسيس أمس بسبب الأزمة المالية المتفاقمة للسلطة الفلسطينية، وعدم حصوله على دعم المؤسسة السياسية والنقابية لصالح إجراءات تقشفية اقترحها لسد جزء من العجز في موازنة العام الحالي. وأفاد بيان حكومي أن رئيس الوزراء سلام فياض «أطلع مجلس الوزراء على كتاب الاستقالة وما تضمنه من أسباب، وأبلغ المجلس انه قبلها». وكشفت مصادر مطلعة ل «الحياة» أن قسيس قدم موازنة قيمتها 3.6 بليون دولار، بعجز قدره 1.4 بليون دولار. وتوقعت الموازنة، التي لم تقر بعد، الحصول على مساعدات خارجية بقيمة 800 مليون دولار. وللتغلب على العجز المتبقي المضاف إلى عجز قدره 1.2 بليون دولار من العام الماضي، وإلى عجز آخر أكبر متراكم من السنوات الثلاث الماضية، اقترح قسيس اللجوء إلى إجراءات تقشفية، مثل تجميد علاوة غلاء المعيشة والعلاوة الإدارية للموظفين، وتوقف الحكومة عن دفع بدل فواتير الكهرباء عن المخيمات وعن قطاع غزة، علماً أن مثل هذه الإجراءات يوفر نحو 330 مليون دولار سنوياً لموازنة الحكومة. وعقد قسيس في الأشهر الأخيرة سلسلة لقاءات مع القوى السياسية والنقابات، طالباً منها دعم موازنته وعدم الاحتجاج عليها، لكنه لم يحصل على الدعم المأمول، خصوصاً من حركة «فتح» التي تقود النقابات. وبحسب المصادر، فإن قسيس وجد نفسه أمام خيارين: إما الدخول في صدام مع القوى السياسية والنقابية، أو الانسحاب، مشيرة إلى أنه فضل الانسحاب على الصدام. ورفض الرئيس محمود عباس استقالة قسيس، وكلف الأمين العام للرئاسة الطيب عبد الرحيم عقد لقاء معه لثنيه عن قراره، لكن هذا اللقاء لم ينجح في ذلك. وتعاني السلطة من أزمة مالية حادة منذ عام 2010 نتيجة تراجع الدعم المالي الخارجي. ولجأت الحكومة إلى الاقتراض من البنوك المحلية لمواجهة هذه الأزمة المستمرة منذ ثلاث سنوات، لكنها تجاوزت السقف المسموح به للاقتراض من جانب سلطة النقد، وهو 1.2 بليون دولار. ولجأ رئيس الحكومة الدكتور سلام فياض العام الماضي إلى محاولة رفع الضريبة على الشركات الكبرى، لكنه جوبه بعاصفة من الرفض، خصوصاً من مكونات النظام السياسي، وفي مقدمها «فتح»، ما دفعه إلى التراجع وتقديم الاستقالة للرئيس الذي رفضها طالباً منه مواصلة إدارة الحكومة لحين البحث عن مخرج. ويقول المراقبون إن السلطة ستعيش مع الأزمة المالية الحادة لسنوات طويلة مقبلة. وأوضح أستاذ المالية في جامعة بيرزيت الدكتور نصر عبد الكريم: «الأزمة المالية في السلطة أزمة بنيوية، وستستمر، ولا توجد مخارج لها». وأضاف: «السلطة في أزمة حادة، وليس أمامها سوى المساعدات الخارجية لأن الاقتصاد الفلسطيني غير قادر على توليد إيرادات تكفي لسد فاتورة المصاريف». وتبلغ المصاريف الشهرية للسلطة 300 مليون دولار، بعجز قدره 40 في المئة. وتراجع الدعم الخارجي للسلطة بصورة لافتة في السنوات الثلاث الأخيرة، خصوصاً من بعض الدول العربية والإدارة الأميركية، ما أدى إلى حدوث عجز متنامي. وجمدت الولاياتالمتحدة مساعدتها المالية للسلطة العامين الماضي والحالي بسبب لجوئها إلى الأممالمتحدة لنيل صفة «دول مراقب». وتفاقمت الأزمة بصورة أكبر عندما أقدمت الحكومة الإسرائيلية على وقف التحويلات الجمركية لها، وحولت جزءاً منها إلى شركة الكهرباء الإسرائيلية لسداد ديون على شركة الكهرباء الفلسطينية. وترفض القوى السياسة، خصوصاً «فتح»، توفير الدعم الكافي للحكومة لمواجهة الأعباء المالية، ما يدفع أعضاء فيها للاستقالة.