عندما تسأل غالبية العراقيين عن أوضاع بلادهم، يأتيك الرد بنبرة حزن: «ليست بخير طالما نوري المالكي يمارس الطائفية والعنصرية، ويعمل على تصفية الحسابات، مع غياب العدالة الاجتماعية، وتزايد المحسوبية ونسب الفقر والبطالة، إضافة إلى تدخل إيران في شؤوننا». شعارات ولافتات عدة ترفعها المدن والمحافظات العراقية في الفترة الأخيرة لمواجهة حكومة المالكي، مثل: «العراق أولاً» و«قادمون يا بغداد» ونحو «إسقاط حكومة إيران في بغداد»، بعد أن نفد صبرها، وفاض الكيل بها وفقدت الثقة بالحكومة جراء سياسات طائفية لا تفكر في العراق بقدر ما تفكر في رضا طهران. في البلاد العربية لا يعد المالكي الصنم الأول الذي تصنعه وتروّج له بشعارات كاذبة، فتكتشف متأخراً بعد أن يجلس على كرسي السلطة كذب شعاراته وزيف مبادئه ما يحتاج من الشعوب إلى تصحيح الأوضاع وتحطيم الصنم! رئيس الوزراء العراقي الحالي لم يصل إلى السلطة على الأقل في الانتخابات الأخيرة، وإنما عبر التفاهم السري بين واشنطنوطهران! والمالكي لم يواجه صداماً آنذاك من الداخل كما فعل غيره، بل فرّ إلى إيران ثم سورية، ثم عاد إلى بغداد عبر سورية على ظهر دبابة أميركية في عام 2003. وفي انتخابات 2010 رفض المالكي تسليم السلطة، وعض عليها بالنواجذ، على رغم فوز ائتلاف «العراقية» الذي يتزعمه إياد علاوي. وخلال الثورات العربية لكنس الحكومات المستبدة ظهر مؤيداً لها في تونس ومصر وليبيا، لكنها عندما بدأت في سورية، أصبح يقلّل منها، ويردد ما تمليه عليه إيران، معلناً الوقوف إلى جانب نظام بشار الأسد. المالكي فاشل في السياسة الداخلية، وبليد جداً في العلاقات الدولية، فقد أفسد علاقات بلاده مع دول عدة، بينها دول الجوار ما عدا إيران، وما دعوات المتظاهرين الأخيرة التي طالبته بالرحيل، وأحرقت العلم الإيراني في صلاح الدين، وناشدت الأممالمتحدة التدخل، مُهدّدة بالتصعيد وبما لا تحمد عقباه، إلا نتاج سياساته الطائفية والعنصرية على كل الشعب العراقي بكل مكوناته وأطيافه وفئاته. الجمعة الماضي، خرج مشهد التظاهرات حياً ومتحركاً، على رغم التهديد بالقمع، ومحاولة منع التجمعات، لكنها خرجت في مدن الأنبار والموصل وصلاح الدين وكركوك وديالى والأحياء السنية من بغداد، خالية من الشعارات الطائفية، ما يعني أنه مختلف عن الجمع السابقة، بفضل دعوات الشيخ عبدالملك السعدي. خاطب السعدي المتظاهرين في بيان متلفز، وحضهم على تنظيم صفوفهم، وعدم طرح «الكلمات والألفاظ التي يساء فهمها وتوحي بالطائفية»، ما دعا متظاهرين في الأنبار إلى اتباع توجيهاته، وتمزيق منشورات تدعو إلى تشكيل إقليم سني. دعوات السعدي عاقلة ووطنية، ويبدو أنه أصبح الوجه الأبرز والموجّه الروحي للمتظاهرين الذين أبدوا التزاماً وروحاً عالية وتمسكاً بالوطن الكبير (العراق)، ودلالة عدم طائفية الاعتصامات أن المتظاهرين في الأنبار طردوا صالح المطلك عندما زارهم في الرمادي، وهو ابن الأنبار ومن عشيرة الدليم وقبل ذلك سياسي سني. يجب أن يبقى العراق واحداً وموحداً رافضاً للتقسيم والتشظي، وإلا فلن يوفّر التقسيم أي بلد عربي، ما يوجب على التيارات السياسية والدينية والعشائر التركيز على بقاء العراق موحداً ينبذ دعوات الانفصال، مع الاستمرار في المطالبة بالحقوق والحرية والعدالة الاجتماعية، والتمسك بمطالب إطلاق المعتقلين، وإلغاء قوانين الاجتثاث والمخبر السري، ورفض تدخل إيران في شؤون العراق. المالكي لم يعمل طوال سنوات رئاسته للوزراء على تقليص نسب البطالة وخفض الفقر واجتثاث الإرهاب الذي يرعب كل العراق، بل عمل على تكريس الطائفية والفئوية، ومحاصرة السنة وقياداتهم. نائب الرئيس طارق الهاشمي مطارد بتهم دعم الإرهاب، ثم وزير المال رافع العيساوي صدر أمر باعتقال عدد من حراسه، وأخيراً أنباء عن صدور مذكرة باعتقاله مع عدد من السياسيين من كتلة «العراقية» الداعمين للتظاهرات. لكن، ماذا يُنتظر من المالكي ومن مثله، طالما يصف بلاده ب «الشقيق» في اجتماع وزراء الخارجية العرب بتاريخ 28 مارس 2012، بقوله «الإرهاب لا دين ولا قومية ولا مذهب له، الإرهاب استهدف مرتكزات الاستقرار في أكثر من دولة، ولعل العراق الشقيق الذي أنتم الآن تأتون إليه عانى معاناة شديدة جداً من الإرهاب». الأكيد أن العراق لا يمكن حكمه من طائفة واحدة، وحكومة المالكي طائفية وعنصرية وكارثية على العراق والعراقيين، ورفع سقف المطالب لرحيل حكومة المالكي ضرورة شعبية لاستئصال الداء، بعد أن تبلدت هذه الحكومة وفاحت رائحة طائفيتها وفسادها، مع الاستمرار في نبذ الأفكار الطائفية والفرقة، والابتعاد عن التجاذبات السياسية التي تدمّر العراق، ولن يستفيد منها سوى المتربصين وإيران، والابتعاد عن الانجرار وراء أصحاب المشاريع الطائفية الرامية إلى تفكيك العراق وتقسيمه. [email protected] twitter | @JameelTheyabi