تبادلت دولتا السودان وجنوب السودان اتهامات في شأن حشود عسكرية على حدودهما، وهددت الخرطوم بطرد الجيش الجنوبي من خمس مناطق تسيطر عليها، فيما قالت جوبا إن الحكومة السودانية بعثت بميليشيات جنوبية متمردة عليها لاحتلال مناطق في الدولة الوليدة. ودعت الحكومة السودانية المجتمع الدولي والاتحاد الأفريقي إلى حمل دولة جنوب السودان على تنفيذ الاتفاق الموقع بينهما في أيلول (سبتمبر) الماضي. وقال نائب الرئيس السوداني الحاج آدم إن دولة الجنوب ما زالت تحتل خمس مناطق سودانية، وأكد قدرة الخرطوم على طرد الجيش الشعبي بالقوة من أراضيها في أي لحظة، متابعاً «إذا صبرنا على دولة الجنوب فإن للصبر حدوداً». وذكر نائب الرئيس عمر البشير خلال حفلة لمناسبة صلح بين بطون قبيلة المسيرية العربية في الضعين عاصمة ولاية شرق دارفور، أن السودان لن يتنازل عن منطقة سماحة و «الميل 14» لدولة الجنوب، مطالباً جوبا بسحب قواتها خارج الحدود المتفق عليها وإلا تم إخراجها بالقوة. وأضاف آدم أن السودان احتراماً للعهود لم يلجأ إلى استخدام القوة، ودعا الاتحاد الأفريقي إلى القيام بواجبه في ضمان انسحاب قوات الجنوب من هذه المواقع. وفي المقابل، قال جيش جنوب السودان إن الجيش السوداني حشد أعداداً كبيرة من قواته على الحدود الجنوبية تمهيداً لغزوها والسيطرة على منطقة أبيي المتنازع عليها، واتهم الخرطوم بإرسال ميليشيات جنوبية إلى عدد من مناطق الجنوب لضربها واحتلالها. وقال الناطق باسم «الجيش الشعبي» فيليب أغوير إن قواتهم تراقب من قُرب تحركات القوات السودانية في المناطق الحدودية والدعم الذي تقدمه إلى الميليشيات الجنوبية، «ما أدى إلى حصول عمليات قتل بين المواطنين ونهب الممتلكات على أيدي الميليشيات» الموالية لحكومة الخرطوم. وأردف في حديث بثه تلفزيون دولة الجنوب الرسمي أن الخرطوم حشدت أيضاً عناصر من جنوب السودان مؤيدة لها لإعادة احتلال أبيي وغزو جنوب السودان تحت قيادة المقدم ملوال بيور توماس وليام واللواء داو دينق اللذين كانا ضمن الجيش السوداني قبل انفصال الجنوب. واتهم السودان بالتراجع عن الترتيبات الأمنية في شأن أبيي وانتهاك الاتفاق الموقع بين الرئيسين عمر البشير وسلفاكير ميارديت في أديس أبابا في أيلول (سبتمبر) الماضي. وتابع أغوير: «الجيش الشعبي ظل في مواقعه، والتزمنا بما اتفق عليه الجانبان، لكن القوات السودانية استمرت في تحركاتها العسكرية وزيادة أعداد قواتها ومعداتها القتالية، وهذا يُعتبر نشاطات معادية، فالخرطوم نشرت ميليشيات جنوبية مسلحة، وقامت بتسليح سودانيين وجنوبيين». وفي الشأن ذاته، دعا رئيس فريق الوساطة الأفريقية بين السودان وجنوب السودان ثابو مبيكي البلدين إلى التزام تعهداتهما لتطبيق اتفاق السلام «من دون اللجوء إلى التمويه وتعقيد المسائل باستخدام لغة يعتقدون أنها ذكية ولكنها ماكرة ومضللة»، وقال إن الوساطة «ستكون آخر من يقتنع بالخطابات الجوفاء لأن التجارب علّمتها الإيمان بالأفعال لا الأقوال». وكشف مبيكي في رسالة إلى الخرطوموجوبا عن استئناف مفاوضات أديس أبابا في الأيام القليلة المقبلة بمشاركة من وصفهم باللاعبين الأساسيين ذوي الصلة، لإعداد مقترحات عملية تأخذ البلدين خطوات إلى الأمام لتحقيق أهدافهما السامية والنبيلة في بناء دولتين صديقتين. ورحب مبيكي في رسالة مفتوحة إلى الطرفين تلقت «الحياة» نسخة منها بالتصريحات الصادرة من الخرطوم بالدخول في مفاوضات مع جوبا من دون شروط مسبقة، واعتبرها تصريحات إيجابية للغاية وتتناغم مع الرسالة التي تسلمها من رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت في شأن منطقة «الميل 14» التي يتنازع عليها البلدان. إلى ذلك، تصاعدت التوترات في ولايات دارفور. فقد أفيد بأن مسلحين يرتدون زياً عسكرياً خطفوا رجل الأعمال إبراهيم عبدالكريم في نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور من أمام منزل أسرته عصر الجمعة، واقتادوه إلى جهة مجهولة. وقال حاكم ولاية جنوب دارفور بالوكالة عبدالكريم موسى إن معلومات أولية تشير إلى أن عملية الخطف إما أن تكون نتيجة مشاكل اجتماعية أو سعياً للحصول على فدية. وفي جنوب دارفور أيضاً هاجمت مجموعات مسلحة من قبيلة البني هلبة العربية قرى وبلدات في منطقة جكمة التي تقطنها قبيلة التاما جنوب محافظة عِد الفرسان، ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 12 شخصاً وإصابة آخرين وحرق سبع قرى. وجاءت هذه الأحداث على خلفية نزاع على تبعية المنطقة بين القبيلتين. كما خطف مسلحون أمس سيارة حاكم ولاية شرق دارفور وسيارات حكومية أخرى وشاحنات قرب الضعين عاصمة الولاية. ولم يكن الحاكم يستقل سيارته لدى خطفها. واتهمت السلطات المتمردين بخطفها. في غضون ذلك، تمدد نشاط التمرد إلى إقليم كردفان المجاور لدارفور، إذ تحدثت تقارير رسمية عن تحركات عسكرية من حركات دارفور صوب جنوب كردفان عبر أكثر من 50 سيارة وعربة نقل على متنها قرابة 500 من مقاتلي المتمردين. وأفيد بأن قوة من المتمردين هاجمت محطات مياه شرق مدينة الفولة ودمرت أبراج اتصالات وقتلت اثنين من المدنيين واعتدت على سوق في المنطقة، قبل أن تتجه نحو بابنوسة حيث هاجمت عناصر من الشرطة وأصابت عدداً منهم. وتعتقد مصادر حكومية أن مجموعة المتمردين كانت في طريقها إلى جبل مرة في جنوب دارفور. وفي سياق متصل رفضت الخرطوم تقريراً من الأممالمتحدة يتهم الحكومة السودانية بانتهاك العقوبات الدولية بشنها هجمات جوية واستخدامها طائرات مستوردة من روسياالبيضاءوروسيا في دارفور على رغم تعهدها عدم القيام بذلك في الإقليم. وقال مسؤول رئاسي سوداني ل «الحياة» إن التقرير الأممي غير دقيق وحوى معلومات مغلوطة ولا يستند إلى وقائع وحقائق صحيحة. ولم يستبعد أن يكون وراء التقرير جهات تريد دفع أزمة دارفور إلى الواجهة بعد تراجعها، واستخدام المعلومات الواردة فيه لإقناع مجموعات ضغط تسعى إلى فرض حظر طيران في الإقليم عقب فشل محاولة سابقة في هذا الشأن. وقالت لجنة الخبراء المستقلة التابعة لمجلس الأمن الدولي والتي تراقب العقوبات المفروضة على دارفور منذ عام 2005، إنها تحقق في ما إذا كانت القوات السودانية انتهكت العقوبات باستخدام ناقلات جند مدرعة إيرانية الصنع في الإقليم. وذكر تقرير إلى اللجنة المختصة بشؤون السودان في مجلس الأمن أن السودان انتهك قراراً للمجلس وتعهدات مكتوبة لروسياالبيضاءوروسيا بعدم استخدام طائرات اشتراها منهما في دارفور وذلك بشن «عمليات قصف جوي وطلعات للترهيب».