هل نتصور كيف سيكون العالم من دون إسرائيل وهي الكيان اللقيط الغريب المشاكس المريب؟ وكيف ستكون منطقة الشرق الأوسط من دون جيشها وترسانتها العسكرية ومخزونها النووي، ومن دون متطرفيها ومتشدديها من المستوطنين وغلاة المتدينين، ومن دون أفكارها وتلمودها، وأحزابها وقادتها، وحاخاماتها وادعاءاتها؟ هل يمكننا أن نتخيل العالم وقد غابت فيه إسرائيل عن الوجود، ولم تعد تشغل مكاناً على الخريطة، ولا يرفرف علم لها فوق سارية أو مبنى، ولا اعتراف دولياً بها، ولا ممثليات أو سفارات لها، ولا لوبي سياسياً يدعمها، ولا تكتلات اقتصادية متوحشة تمولها. من المؤكد أن العالم الذي تغيب عنه إسرائيل سيكون عالماً مثالياً، خالياً من الظلم والاعتداء والتآمر، لا حروب فيه ولا قتلى، لا دمار فيه ولا خراب، لا سجون في جنباته ولا معتقلات، عالم تسوده المحبة والعدل، وتغيب عنه معاني الكراهية والتعصب، وتسمو فيه القيم الإنسانية ومعاني الرحمة والتآخي، وسيكون عالماً صحياً معافى من الأزمات الاقتصادية والآفات الاجتماعية والأحلاف المشبوهة. قد تكون هذه خيالات كاتب، أو شطحات مفكر، أو أضغاث أحلام وأماني معسولة، أو أفكاراً ساذجة أو رؤى عديمة، أو أنها معتقدات لاهوتية غيبية، أو تنبؤات دينية، إلا أنها لدى المسلمين حقيقة ويقين، وهي لدى المؤمنين عقيدة ودين، بأن يوماً ما سيكون فيه العالم حراً من ربقة الإسرائيليين وظلمهم. إنها أحلام مشروعة، وأمان نبيلة، وغايات شريفة، يجب أن نسعى اليها، ونعمل من أجلها، وألا نخجل من طرحها، أو نخاف من إثارتها، فتخليص العالم من إسرائيل وشرورها لهو أعظم الأعمال وأشرفها، وهو فضل يُؤدى للبشرية الحاضرة وللأجيال القادمة، وهو واجب على المسلمين، والتزام من المؤمنين، فإسرائيل لا تعادي المسلمين وحدهم، بل إن شرورها تعم، وظلمها يسود، وقديماً دنست كنسية القيامة، وسامت المسيحيين سوء العذاب، وأذاقتهم لباس الذل والهوان، إلى أن جاء الفتح وانتشر الإسلام فخلصهم وحمى كنائسهم، وألقى بظلاله الآمنة عليهم. قد يكون هذا الخيال صعباً أو بعيد المنال، ويصعب تحقيقه ويستحيل تصوره، وقد أصبحت إسرائيل واقعاً وحقيقة، ودولة وجيشاً، ولها من القوة ما يحميها، ومن الاقتصاد ما يغنيها، لكن التاريخ يسجل حضارات سادت ثم بادت، ودولاً كانت ثم غابت، فكيف بدولة مارقة، قامت على الظلم والاغتصاب، وحكمت بالبغي والاستبداد، وعاشت على النهب والابتزاز، وغدت عنصرية تقتل وتخرب وتدمر، وتعزل وتحاصر وتحارب، وتحرم وتمنع وتصادر. كثيرون من المفكرين والباحثين الغربيين، والسياسيين الأوروبيين والأميركيين، وحتى من اليهود أنفسهم، يرون أن زوال دولة إسرائيل واقع لا خيال، وحقيقة لا سراب، وأنها ستشطب عن الخريطة، وستخرج من الأرض التي احتلتها، ولن يكون لها من يساندها أو يضحّي من أجلها، ولن تنفعها سيول الدعم ولا أساطيل السلاح، إذ ستفقد روح القتال، وقوة العقيدة، وستتراجع لدى أجيالها عوامل الجذب وخزبعلات الهيكل والاسطبل. فلا ينبغي أن يموت فينا هذا الأمل، ولا يغيب عنا هذا الهدف، وقد سقطت حصونهم وانهارت دفاعاتهم، ورحل سدنتهم، وغاب حراسهم، وجاءت من بعدهم أجيال ثائرة، ورجال صنعوا الربيع ونسجوا فجر الغد، ومن أشعة شمس الأمة سيغزلون أثواب النصر وبيارق الأمل.