طالب رجال دين ومثقفون بمعالجة «الأزمة الطائفية»، عبر وضع «حلول قانونية»، تلتزم بها الأطراف كافة، بما يسهم في «التمسك بالوحدة الوطنية، ونبذ العنف والكراهية» وجاءت هذه المطالبات التي عبّروا عنها إلى «الحياة»، بالتزامن مع إلغاء المحاضرة المزمع إقامتها الأحد الماضي في تبوك بعنوان «الرافضة.. عقيدة وهدف في الوقت الحاضر»، للدكتور المتخصص في الملل والنحل إبراهيم الفارس. واعتبر الشيخ عادل بوخمسين، الإعلان عن المحاضرة، «مزعجاً بالنسبة إلينا»، مستدركاً أن «حنكة المسؤولين والعمل على إلغائها، يستوجب منا أن نشكر أمير منطقة تبوك الأمير فهد بن سلطان بن عبدالعزيز، متأملين أن يكون هذا الأمر هو السائد، بحيث لا يسمح بالتحريض على الآخر، أياً كان هذا الآخر، الذي تختلف معه»، لافتاً إلى دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، للحوار بين المذاهب، التي أطلقها في شهر آب (أغسطس) من العام الماضي التي وصفها ب«مدعاة للتفاؤل والاستبشار بالخير، لتسهم في تخفيف الاحتقان الطائفي، وتتحول إلى مشروع مؤسسي علمي، له مرجعية وحماية قانونية». ويعتقد السيد حسن النمر بأن ما قامت به الجهات المتخصصة في تبوك من منع المحاضرة «موقف يعبر عن إحساس بالمسؤولية تجاه الوطن ومصلحته التي لا تنفك عن تكريس الوحدة الوطنية؛ لأن المحاضرة بعنوانها ومحاورها المنشورة تشيع الكراهية والبغضاء بين المواطنين»، مشيراً إلى أن المطلوب هو «تصريح رسمي، ومن أعلى المستويات، بالمواطنة الكاملة لجميع أبناء هذا الوطن، من دون تمييز». ورأى الكاتب مهنا الحبيل أن «الواقع يفرض حال التوتر الطائفي، فنحن نعيش أمام صور برنامج ذبح القوات الإيرانية وحلفائها في المنطقة للمدنيين السنة في الشام والعراق، وجرائم القاعدة، أو الفصائل المقربة منها ضد المدنيين الشيعة في العراق وباكستان، وغيرهما، وهو ما أدى إلى التقاط المجتمع رسائل خطرة في هذه الأجواء الدموية وأمام خطاب إعلامي حاد متبادل، وهو ما يهدد بقفزة متسلسلة من التحريض المتبادل إلى العنف في مناطق الشراكة أو الالتقاء في المملكة أو غيرها». أسباب داخلية وخارجية، إلا أن بوخمسين يعزو أسباب التوتر الطائفي إلى جانبين، «خارجي، وآخر داخلي، أما الخارجي؛ فسببه صراعات إقليمية تلقي بظلالها على التكوينات المذهبية في المجتمعات الإسلامية، أما داخلياً فهناك ثلاثة عوامل تسهم في تأجيجه، منها أن يتولى أمور النظر في المذاهب من هو قليل علم، والتعصب المقيت للمذهب ذاته، إذ لا يرى الشخص إلا رأيه، ولا يؤمن بوجود شخص يختلف عنه، وهناك تزاحم المصالح، وهي التي تسوق مهاجمة الآخر، بقصد كسب ود الجماهير، والمحافظة على المكتسبات الشخصية التي حصل عليها». ودعا إلى أن يكون الحوار بين المذاهب «بين علماء في الشريعة، وفي قاعة مغلقة، طمعاً في الوصول إلى الحقيقة، بدلاً من الحوارات التي تجري في الفضائيات، وهو ما يسهم في دخول العوام فيها، وبالتالي يصبح هناك اصطفاف قائم على مذهبية الفرد، وليس على منهج علمي». فيما يرى النمر أن الأسباب نابعة من «أهواء تتحكم في أفراد وجماعات لم تستوعب دين الإسلام، وفنون الدعوة إليه والتعامل مع الآخر من مسلمين وغير مسلمين»، موضحاً أن الحل الذي يقترحه يكمن في «التأكيد على مواطنة جميع أبناء هذا الوطن؛ مهما اختلفت انتماءاتهم المذهبية والقبلية والمناطقية». ودعا الساعين إلى تمزيق الأمة على أساس الاختلافات العقائدية والفقهية الموجودة بين المذاهب، بل والمذهب الواحد، «ألا ينطلقوا من حقيقة أن التنوع الفكري كان وسيظل بين البشر، وأن التسنن والتشيع، على تنوع الرؤى فيهما وبينهما، يشكلان سياجين قويين لحماية الوطن أمام ما يمكن أن يتعرض له من إضرار، من أي جهة كانت». طائفية شيعية مضادة فيما قال الحبيل: «لا نستطيع أن نقرأ المشهد لو نظرنا له من زاوية واحدة، فالحملة الصادرة من أطراف سنية في الأصل تواجه حال فوضى خطرة في الخطاب الشيعي المتشدد، الذي يعتمد على آلاف المواقع وعشرات القنوات الفضائية التابعة. وهي تصر على نشر فكرة تكفير الصدر الأول، وملاعنتهم، وبخاصة أبي بكر وعمر، وهذا توجه عام، وليس جزئي، فضلاً عن بركان من المظلومية الطائفية، مؤسس على هذه الملاعنة. وبالتالي نحن نواجه مشروع حرب أهلية عابر للحدود». واعتبر الحبيل، معالجة المواقف تتم من خلال منهجين، الأول هي «محاورة ذات الخطاب الذي يريد أن يرد على محاولات التحريض الطائفي الشيعية، وإبلاغه بضرورة الالتزام بثلاثة مبادئ، وهي: عدم التعميم في الانحرافات العقائدية أو المصطلحات، وتأكيده خلال خطابه على عدم جواز أي صور من صور العنف أو التحريض، على الأفراد المدنيين، ونقض حق المواطنة، وأخيراً اعتماد النقد العلمي لنقض أسس التطرف الآخر، لا التحريض العاطفي». وعن المسار الثاني أوضح أنه «مسؤولية الدولة، بتنظيم ميثاق ثقافي ومجتمعي لإدارة الخلافات، من دون المس بالثوابت، ومن دون إسقاط حق المواطنة وسلامة المدنيين، أياً كانت طائفته». الطائفية «مشكلة سياسية بحتة» من جهته، اعتبر طالب الدراسات العليا في العلوم السياسية عبدالإله السعد، الطائفية «مشكلة سياسية بحتة، وليست أزمة دينية كما يتصور طرفا النزاع، من السنة والشيعة»، مضيفاً أن «كلا الطرفين يدرك أن مؤتمرات التقريب والحوار تبوء بالفشل دائماً، ولا تتجاوز إطار الصور التي يتم التقاطها في ختام الجلسات، ومرد ذلك إلى أن عمق الاختلاف العقائدي بينهما واضح وجلي، ولن ينحل، لذلك التعلق بالوحدة الإسلامية رابطاً يجمع بين المختلفين مذهبياً في وطن واحد هو إهدار للوقت». ولفت السعد إلى أن الرابط بين المواطنين هو «الوطن، وعندما نقول الوطن فنحن نعني سيادة القانون، وهذه السيادة تحد من التجاوزات بأشكالها ومضامينها كافة، وتجعل الجميع أمام القضاء سواسية»، رافضاً أن يتم «شرح مفهوم الوحدة الوطنية بمحبة المواطنين بعضهم بعضاً»، معتبراً ذلك «خطأ علمي وفلسفي كبير، لأن الوحدة الوطنية تعني أن يتعايش المواطنين ضمن إطار المشترك بينهما، من سيادة واستقلال، ومكتسبات وطنية وطبيعية، في ظل تكافؤ الفرص». وتمنى السعد، من علماء المذهبين، أن «يفيقوا من بكائيات المظلومية، وأن يدركوا أن سبب ما بهم من تردي وضعهم أنهم من يخرق الوحدة الوطنية، لتقديم أنفسهم وفق انتمائهم المذهبي، وليس بهويتهم الوطنية، وهو ما جعلهم يقومون بتسييس المذهب، وتحويل الطائفة إلى حزب سياسي يتكتلون حوله، ويصنعون له أعداء من ذات التركيبة أيضاً، وهذا ما يفاقم المشكلة».