في وقت وافقت حركة النهضة الإسلامية في تونس على التخلي عن كل وزارات السيادة، بما فيها الداخلية في الحكومة المقبلة التي سيقودها القيادي فيها علي العريض، في تنازل مهم أمام التيار العلماني والقومي، واصلت قوات الأمن محاصرة منطقة على الحدود مع الجزائر تردد أنها تؤوي سلفياً متهماً بقتل المعارض اليساري البارز شكري بلعيد هذا الشهر. وجاء ذلك في وقت نفّذ «حزب الوطنيين الديموقراطيين الموحّد» وقفة احتجاجيّة أمس أمام مقر وزارة الداخليّة بالعاصمة التونسية للمطالبة بكشف «المتورطين الحقيقيين» في اغتيال بلعيد الذي كان ينتمي إلى هذا الحزب. وشكك أنصار هذا الحزب في التصريحات الأخيرة التي أدلى بها وزير الداخليّة (رئيس الحكومة المكلّف) علي العريّض، أول من أمس، حول ملابسات الجريمة ووصفوها ب «المسرحيّة». وقال القيادي في «الجبهة الشعبية» (تحالف اليسار والقوميين) الجيلاني الهمامي ل «الحياة» إنّ مطالب المتظاهرين تتمثّل أساساً «في معرفة الحقيقة من دون التأثير في الملفّ أو التلاعب به والتستّر عن المتورطين الحقيقيين». وأضاف أنّه «لا يمكن تصديق الرواية» التي قالها وزير الداخلية حول تأثّر 4 شبّان سلفيين بشيخ سلفي متشدد أباح إهدار دمّ بلعيد، مؤكداً أنّ العمليّة تبدو «مدبّرة ومعقدة وفيها العديد من الأطراف المشاركة ولهذا يجب كشف المتورطين». في غضون ذلك، تواصل قوات الأمن ملاحقة المتهم الرئيسي باغتيال بلعيد بعدما كانت قد قبضت في وقت سابق على أعضاء خليته «المتشددة دينياً». وبحسب المعطيات الأمنية فإن المتهم الفار يتحصن في محافظة جندوبة المحاذية للجزائر بشمال غربي البلاد. وأوقفت الوحدات الأمنية المختصة والد المتهم وشقيقه. ويقول مصدر مطلع إن قوات الأمن تمكنت من تحديد المكان التقريبي لتحصّن المتهم الفار من خلال عبر الأقمار الصناعية، لكن عملية البحث عنه ما زالت متواصلة. وفي مؤشر آخر إلى تنامي نشاط السلفيين في البلاد، هاجم مناصرو هذا التيار «معهد بورقيبة للغات الحية» في «حي الخضراء» (شمال العاصمة تونس)، أمس، لمنع طلاب من تأدية رقصة «هارلم شيك» المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي. وقال السلفيون: «نريد أن ننهاكم عن المنكر، الاسرائيليون يقتلون إخواننا في فلسطين وأنتم ترقصون؟». في سياق آخر، يواصل رئيس الحكومة المكلّف علي العريض مشاوراته من أجل تشكيل حكومة جديدة، وهو أجرى سلسلة من اللقاءات مع قيادات الأحزاب والمنظمات المدنية منها النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين. وأكدت رئيسة النقابة نجيبة الحمروني ل «الحياة» أن العريض عبّر عن استعداده لتطوير الفضاء التشريعي الخاص بالقطاع الإعلامي وبإجراء إصلاحات في مجال الإعلام العمومي. وفي سياق متصل، أكد راشد الغنوشي رئيس حركة «النهضة» التزام حركته بتحييد وزارات السيادة، وعلى رأسها وزارة الداخلية في الحكومة المقبلة. وقال: «وافقنا على تحييد كل وزارات السيادة الأربع بما فيها الداخلية التي ستتولى مقاليدها شخصية من خارج الأحزاب». وكرر هذا الموقف نائب رئيس حركة «النهضة» عبدالحميد الجلاصي الذي قال إن العريض يتفاوض مع كل الشركاء ل «تغليب المصلحة الوطنية». وتحدث الجلاصي في تصريح إلى «الحياة» عن إمكان تحييد وزارة المال أيضاً، وقال إن من المرجح أن تُسند إلى شخصية مستقلة. وقال مصدران قريبان من المفاوضات ل «رويترز» إن وزير الدفاع عبدالكريم الزبيدي وهو مستقل ومحافظ البنك المركزي الشاذلي العياري سيحتفظان بمنصبيهما في الحكومة المقبلة. غير أن محمد الحامدي رئيس حزب «التحالف الديموقراطي» استبعد إمكان تقديم علي العريض لتشكيلة حكومته الجديدة إلى رئيس الجمهورية في هذا الأسبوع، وفسّر ذلك بتواصل التفاوض حول العديد من النقاط العالقة، بالإضافة إلى أن العديد من الأحزاب لم تقدم إلى حد الآن ردودها النهائية بخصوص المشاركة في الحكومة المقبلة.