على رغم الظروف السياسية – الأمنية «الملتهبة» التي تشهدها سورية اليوم، أصيب عدد من السوريين ب «عدوى» الجدال حول الزواج المدني، عقب التطورات التي عرفها هذا الملف في لبنان. ووصل الأمر إلى حدّ طالب فيه أنصار هذا الزواج ب «قوننته» في سورية أسوة بلبنان. وظهر على الفور عدد من الصفحات الداعمة للزواج المدني على الانترنت، لتوحيد جهود أنصاره في سورية وإفساح المجال أمام حوار جدي حول المسألة. يقول المحامي عز الدين عز الدين: «ثمة مئات الحالات العالقة في المحاكم، ولا يمكن تسويتها بسبب عدم إمكان تسجيل هذا الزواج في سورية». ويأمل هؤلاء بأن تؤثر تطورات هذا الملف في لبنان في أوضاعهم في المستقبل القريب. لكن مسألة الزواج المدني لا تتعلق بالقانون وحده، لأن القوانين الحالية لا تسمح بهذا النوع من الزواج. ومن أجل إحداث ثغرة في بنية القوانين، لا بد من تهيئة الرأي العام لقبول هذا الزواج، عبر الحملات الإعلامية والندوات وجلسات الحوار العامة والتقرب من رجال الدين المعتدلين، مسلمين ومسيحيين، الذين يمكنهم لعب دور في هذا الشأن». لكن عزالدين يرى أن الأوضاع الحالية التي تمرّ بها البلاد تكاد لا تسمح إلا بالنشاط الالكتروني، ما يفسّر نشاط مثل هذه الصفحات على الانترنت، وخصوصاً مواقع التواصل الاجتماعي. طوال السنوات الأخيرة، ظل الحديث عن الزواج المدني في سورية محصوراً في نطاق الحملات الإعلامية والمواقف الشخصية، ولم يمتلك أنصاره القدرة على تكوين رأي عام موحد للدفع بالنقاش إلى الواجهة المجتمعية، بسبب قوة التيارات الدينية المعارضة له. وعلى رغم أن الظروف الراهنة تذهب في الاتجاه المعاكس، فإن الكثير من السوريين ينظرون إلى هذا الزواج بوصفة حاجة أو ضرورة في ظل التصور المأمول للدولة المدنية المنشودة. تقول رشا، وهي طالبة جامعية: «ينفصل عشرات الشبان والفتيات كل سنة بعد فصول طويلة من قصص الحب، فقط لأنهم لا يتمكنون من الزواج بسبب الاختلاف في الدين، ما يولد حسرة لدى غالبيتهم بسبب شعورهم بالظلم القانوني». وتضيف: «إذا كانت الثورة السورية الحالية هي ثورة مدنية تنشد العدالة الاجتماعية وتسعى إلى الحد من سطوة المرجعيات، فعليها ان تحمل معها حلاً لمشكلة آلاف السوريين الذين يعانون من الاضطهاد الاجتماعي والقانوني الذي يمارس عليهم ويحول دون ممارسة مواطنيتهم التي كفلها لهم الدستور صراحة». أما مطاع، وهو طالب دراسات عليا، فيقول: «لا بد لما يحدث في لبنان من أن ينعكس على الوضع في سورية. وعلى رغم أن المناخ السائد حالياً لا يشجع على ذلك، فإن من المفيد إحياء هذه القضايا في ظل موجة التراجع التي تشهدها الحياة المدنية لمصلحة النزعات الدينية المتزايدة يوماً بعد يوم». ويشير إلى أن هناك آلاف السوريين الذين ينتظرون حدوث تغييرات في هذا المجال، ومن مختلف الطوائف. «وإذا توصل اللبنانيون إلى مخرج لتسجيل الزواج المدني، فهذا مؤشر إيجابي إلى إمكان الوصول إلى حل مماثل في سورية، كأن يكون الزواج المدني اختيارياً لمن يرغب به». يبدو مجرد الحديث عن الزواج المدني في سورية اليوم نوعاً من الترف بالنسبة إلى كثير من السوريين في ظل الأزمة التي تعيشها بلادهم حالياً. وثمة من يرى أنه لا يمكن تعطيل الحياة العامة للسوريين لمصلحة الأزمة، «ومن يقول إن كل المسائل يجب ان تتوقف في ظل ما يعصف بالبلاد، ينكر أن للسوريين حقهم في أن يعيشوا حياتهم في شكل طبيعي، خصوصاً أن أحداً لا يعرف متى ستنتهي الأزمة... وإلى أين ستأخذ البلاد والعباد».