يحلو للناشط في ساحة التغيير في صنعاء عمر الشيباني، تشبيه مؤتمر الحوار الوطني المقرر في آذار (مارس) المقبل بتلك اللحظة المفصلية التي عرفتها بريطانيا عقب الثورة. ويقدم الشيباني بذلك وجهة نظر متفائلة في شأن المستقبل الذي ينتظر بلاده، فيما تخشى الطالبة الجامعية رندة ياسين أن يفضي المؤتمر الى كارثة شبيهة بحرب صيف 1994 الأهلية التي أعقبت توقيع وثيقة العهد والاتفاق. ويبدي الشيباني تفاؤلاً بمستقبل بلاده، معتبراً أن الثورات التي تنتهي بتسوية سياسية هي من انضج الثورات، ويرى في ثورة انكلترا مؤشراً الى إمكان إيجاد بيئة ديموقراطية سليمة، على عكس الثورتين الفرنسية والروسية اللتين مضتا على خط العنف وقتل الخصوم ما أدى إلى ظهور ديموقراطيات متعثرة. وأمام الغموض السياسي في مستقبل اليمن، تتعدد رؤى الشباب وتختلف توقعاتهم بشأن مؤتمر الحوار الوطني المقرر في 18 آذار (مارس) المقبل، والذي يعول عليه داخلياً وخارجياً بأن يضع حداً لدورات العنف ويرسي لبنات الاستقرار في هذا البلد المثقل بالنزاعات والفقر. وتتوزع وجهات النظر بين من يرى في المؤتمر نسخة من مؤتمرات سابقة غالباً ما أفضت إلى حروب، وبين من يعتبره نقطة تحول إيجابية ومحطة لإنجاز ثورة توقفت في منتصف الطريق. وهناك من يعده مجرد تحصيل حاصل لواقع مرسوم سلفاً. ولئن تباينت وجهات النظر بشأن المؤتمر ومخرجاته، إلا أن الجميع يتفق تقريباً على أن الشباب كانوا وما زالوا يعدون «حصان طروادة « لتمرير سياسات ومشاريع «عجائز السياسة والقوى التقليدية»، حسبما يقول الشيباني. ويلفت الشاب، المنخرط في الحراك منذ بدايته، الى لحظة الصراع بين الجمهوريين والملكيين في ستينات القرن العشرين، عندما تمت التضحية بالشباب وسحل بعضهم بدعوى تطرفهم المعيق للحوار السياسي، لكنه في الوقت نفسه يرى اللحظة الراهنة مختلفة، «فالجميع يتملق الشباب ويتشدق بثورتهم». وكانت ثورة شباب اليمن سعت إلى محاكاة انتفاضتين أطاحتا رئيسي تونس ومصر، إلا أن مسارها السلمي تحول إلى قتال مسلح. وفي ضوء تكافؤ القوة العسكرية وعدم وجود رغبة دولية في تفجير الوضع، اضطرت الأطراف المتصارعة إلى توقيع خطة سلام اقترحتها دول الخليج ورعتها الأممالمتحدة تضمنت بنودها عقد مؤتمر حوار وطني تشارك فيه مختلف القوى وتتمثل فيه المرأة والشباب. وتواجَه عملية تمثيل الشباب بانتقادات كثيرة. ويعدد الناشط هاني بدر ما يقول إنها حقائق تدحض أكذوبة تمثيل الشباب المستقل في المؤتمر. ويذكر أسماء شبان تسجلوا بصفتهم مستقلين في حين انهم حزبيون. وسبق للجنة الفنية للمؤتمر أن اشتكت من صعوبة التمييز بين الحزبي وغير الحزبي. ويصادف موعد عقد مؤتمر الحوار الوطني ذكرى مجزرة جمعة الكرامة في 18 آذار مارس 2011، التي سقط فيها أكثر من 50 متظاهراً. وينظر إلى توقيت عقد المؤتمر باعتباره محاولة من القوى السياسية للاتعاظ والتطهر من جرائم ارتكبتها أو تسببت فيها، أو ربما كان استمراراً لنهج المزايدة السياسية واستغلال أرواح الشهداء لأغراض «رخيصة»، وفق تعبير رندة ياسين. وتؤكد ياسين عدم وجود ما يدل حتى الآن على صدقية الأحزاب اليمنية في نبذ العنف والتخلي عن السلاح. والحق أن الاستقرار الهش الذي يشهده اليمن منذ انتخاب رئيس توافقي في شباط (فبراير) 2012 يرجع إلى غياب أطراف خارجية قوية تشجع على تأجيج الصراع أكثر منه قناعة داخلية وترسيخ حقيقي لثقافة الحوار والسلام. وتشكك الطالبة الجامعية والناشطة السياسية في إمكان تحقق الدولة المدنية التي يبشر بها مؤتمر الحوار «في وقت لا يزال مختلف الأطراف يمسك بالزناد ويحتفظ بترسانته»، ويكفي مثالاً على ذلك أن أساتذة جامعيين يحملون مسدساتهم داخل الحرم الجامعي، ما يشير إلى مدى تغلغل الثقافة الاجتماعية المولدة للعنف. ويبدو جلياً اليوم وجود رغبة خارجية ملموسة في استقرار اليمن، لكنها لا تشكل ضمانة حقيقية للسلام طالما بقيت القوى الداخلية المتصارعة تضمر نقيض ما تعلن. ويحفل تاريخ اليمن الحديث بمحطات اضطر فيها اليمنيون إلى الإذعان لصوت الحوار، لكن التجارب تؤكد أن محطات التصالح لم تكن سوى استراحة محارب. وتظهر تجربة الجمهورية الممتدة إلى نحو اكثر من نصف قرن، أن الفاعلين غير الرسميين هم من ظل يمسك عملياً بزمام الأمور، وأن الدولة لم تكن سوى فزاعة تخيف الضعفاء وفريسة لمن يمتلك القوة. وتقول ياسين: «خلال فترة حكم استمر 33 عاماً، لم يستطع الرئيس السابق أن يحرك حجراً واحداً في المناطق التي تقع تحت سيطرة بعض شيوخ القبائل، ومنها حي الحصبة في صنعاء مقر إقامة أبناء الشيخ الأحمر، كما بقيت بعض الدوائر الانتخابية مغلقة عليهم لا يجرؤ حتى الحزب الحاكم على منافستهم فيها». وعلى رغم الصعوبات وتعقُّد واقع اليمن، إلا أن ثمة من يقول بوجود ظروف ملائمة للمضي في تغيير سلمي حتى وإن جاء بطيئاً. وتلفت الموظفة الحكومية مسك يحيي، إلى وجود تحول في بنية القبيلة، خصوصاً لجهة بروز جيل جديد من المشايخ يجمعون بين زعامة القبيلة والعمل التجاري، لديهم استعداد للانخراط في اللعبة الديموقراطية وإن لم يقطعوا تماما مع إرث القبيلة.