منذ أن أخرجت السلطات الايرانية الرهينتين الفرنسيتين كلوتيلد رايس ونازك أفشار (الايرانية الاصل) من السجن الى السفارة الفرنسية في طهران تهلل فرنسا بالدور السوري الذي أدى الى هذا الإفراج. فالرئيس نيكولا ساركوزي حيّا دور الرئيس بشار الأسد، والصحف المقربة منه مثل «لو فيغارو» التي تعتبر بمثابة الناطق الرسمي باسمه اشادت بهذا الدور وبقرار ساركوزي إخراج سورية من عزلتها وفك ارتباطها، في رأي الفرنسيين، بإيران. لا شك في أن الرئيس الأسد لعب دوراً في نقل الرهينتين من السجن الايراني الى السفارة الفرنسية في طهران، وهذا أمر مهم جداً لساركوزي وللرأي العام الفرنسي، كما يمثل خطوة انسانية لا يمكن إلا تأييدها. غير أن الاعتقاد ان الحلف الايراني - السوري على طريق التفكك خطأ كبير، لأن لهذا الحلف المتين مصالح مشتركة في المنطقة، والدليل الأول على ذلك ما يحدث في لبنان مع «حزب الله» والعماد ميشال عون، فعقدة تشكيل الحكومة والعوائق التي يواجهها الرئيس المكلف سعد الحريري مرتبطة بالحلف الايراني - السوري الذي فوجئ بنتيجة الانتخابات في لبنان لأنها لم تكن لمصلحته، ورغب في تعطيل المسار الديموقراطي عبر الحليف المسيحي لتجنب صراع جديد سني - شيعي. تدرك سورية أن الإفراج عن الرهينتين الفرنسيتين أولوية للرئيس الفرنسي. والرئيس ساركوزي لا يمكنه الا الاشادة بدور الرئيس الأسد وشكره. ولكن، بعد ذلك، هل في امكانه الضغط على صديقه الرئيس الأسد لدفعه الى حل عقدة تشكيل الحكومة اللبنانية؟ ولما كانت ايران لا تحبذ التقارب السوري - السعودي، ومصلحة سورية مؤكدة في المصالحة مع السعودية، الا ان المصالح المشتركة لايران وسورية في المنطقة (في كل من لبنان والعراق وفلسطين) هي عائق في وجه العرب المعتدلين، نعني الدولتين الأكبر في الشرق الأوسط، السعودية ومصر. الأمر الوحيد الذي يبعد سورية عن ايران هو توصل دمشق الى مرحلة مفاوضات مباشرة مع اسرائيل، فعندما بدأت سورية مفاوضاتها مع اسرائيل كانت القيادة الايرانية عاتبة على دمشق لأنها لم تضعها في صورة تفاصيل هذه المفاوضات، وكانت ايران تأخذ المعلومات من تركيا على هذا الصعيد. وبما ان اسرائيل ومسؤوليها لا يريدون سلاماً مع سورية، ولا مع الفلسطينيين، فالحلف الايراني - السوري أقوى في هذه المرحلة، وزيارة الرئيس الأسد المرتقبة الى ايران تظهر ذلك. فهو ذاهب لتهنئة نظيره الايراني وشكره على تسليفه الافراج عن الرهينتين الفرنسيتين الذي يخدم مصالح سورية مع فرنسا وأوروبا. والرئيس السوري بزيارته هذه سيعطي دعماً للرئيس الايراني على الصعيد المحلي حيث نتيجة انتخابه كانت مرفوضة بسبب التزوير في جزء كبير من أصوات الشعب الايراني ومن فريق ينتمي الى النظام نفسه. وسبق للرئيس السوري ان أكد لوزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير لدى زيارة الأخير دمشق في تموز (يوليو) الماضي ان التظاهرات الشعبية في ايران بدفع وإيحاء من الخارج وان شرعية الرئيس المنتخب غير مشكوك فيها. والوضع في لبنان اليوم هو نتيجة هذا الحلف الايراني - السوري الذي يعوق أو يعطل المسار الديموقراطي اللبناني، ذلك أي بلد في العالم ينعم بالديموقراطية لم يشهد فريقاً حاز على الأكثرية في انتخابات حرة لا يمكنه تشكيل حكومة بسبب تعطيل الفريق الخاسر بطريقة أو بأخرى. فإذا شكّل الرئيس المكلف حكومة الاغلبية من دون موافقة المعارضة سنجد لبنان أمام ابتزاز الفريق المعارض في نصب الخيم في طرق بيروت وتعطيل الحياة في لبنان. الرئيس المكلف مدرك لهذا الاحتمال لذا يريد المشاركة الحقيقية، الا أن العماد عون الذي كان انتقد ترشيح الوزير نسيب لحود الى الرئاسة بحجة أنه سقط في الانتخابات قد نسي ما قاله عن مرشح أكثرية ساحقة من الشعب اللبناني ويريد الآن فرض صهره الذي سقط في انتخابات تشريعية وزيراً في حكومة منبثقة عن مسار ديموقراطي اعترف به الجميع. فمواقف العماد عون ومبادئه تتكيف مع الروابط العائلية، لأنه يصر على توزير صهره. الا أن عائق توزير جبران باسيل كان في الامكان تجاوزه لو أن حليف عون الأقوى «حزب الله»، يريد فعلاً تسهيل تشكيل الحكومة وهذا يعيد الى الذاكرة قول وزير الخارجية الايراني منوشهر متكي عندما زار باريس قبل الانتخابات في لبنان وقال لكوشنير إن حزب الله وحلفاءه سيفوزون في الانتخابات وستضطرون الى العمل معنا لدفع الامور في هذا البلد. لقد أخطأ الوزير الايراني في توقعاته، لكن القيادة الايرانية وشريكتها سورية تريدان الآن تعطيل المسار الديموقراطي على نمط ما قامت به القيادة في طهران داخلياً في انتخابات الرئاسة الايرانية.