أجرى الرئيس التونسي المنصف المرزوقي أمس مشاورات سياسية مع ممثلي عدد من الأحزاب، أبرزهم رئيس «حركة النهضة» راشد الغنوشي، من أجل اختيار مرشح لتشكيل حكومة جديدة بعد استقالة حمادي الجبالي من منصبه إثر فشل مبادرته لتشكيل حكومة تكنوقراط. وكشفت مصادر من داخل المشاورات أن الرئيس شدد على ضروة تشكيل حكومة توافق وطني تشارك فيها كل الأحزاب السياسية. وأكد ل «الحياة» عضو المكتب التنفيذي ل «الحزب الجمهوري» المنجي اللوز أن المرزوقي عرض عليهم المشاركة في الحكومة ومنحهم مهلة للتفكير في عرضه. وكان موقف أحزاب «الجمهوري» و «المسار الديموقراطي الاجتماعي» و «التحالف الديموقراطي» مسانداً لرئيس الحكومة المستقيل وداعماً لإعادة تكليفه بتشكيل حكومة جديدة، إضافة إلى تشبثهم بمبدأ تحييد وزارات السيادة وحل الميليشيات الموازية وعلى رأسها «لجان حماية الثورة». وشددت المعارضة خلال مشاوراتها مع الرئيس على أنها لن تشارك في أي حكومة مقبلة، لكنها عبرت عن استعدادها لمساندة الحكومة إذا استجابت للشروط المذكورة وحققت توافقاً وطنياً، وهو ما يسانده «حزب التكتل» الذي انسحب من الترويكا الحاكمة و «حركة نداء تونس»، في مقابل تشبث «الجبهة الشعبية» اليسارية بموقفها الداعي إلى استقالة الحكومة وعقد مؤتمر تنبثق عنه «حكومة إنقاذ وطني». ولم يفض لقاء المرزوقي ووفد «النهضة» برئاسة الغنوشي إلى اختيار نهائي لاسم مرشح الحركة الإسلامية المقبل لتولي منصب رئيس الوزراء، إذ قال الغنوشي إثر اللقاء إن حركته لم تحدد بعد أسماء المرشحين وتحتاج الى «مزيد من التشاور». ولم يستبعد ترشيح شخصية أخرى بدل رئيس الوزراء المستقيل، وهو أيضاً الأمين العام للحركة. وأضاف ان «البلاد تحتاج الى حكومة ائتلافية تشارك فيها أوسع الأحزاب والكفاءات، ونحن على اتفاق أن هذه الحكومة ينبغي أن تتشكل في وقت وجيز لا يتجاوز هذا الأسبوع». ويسعى المرزوقي إلى تسريع مشاوراته مع الأحزاب، لكن ذلك يبقى رهن ما ستفضي إليه النقاشات الداخلية في «النهضة»، فغالبية أحزاب المعارضة لا تزال تساند الجبالي رغم فشل مبادرته، وتعتبره محل توافق وطني باعتباره الشخصية الوحيدة في الترويكا التي كسبت تأييد المعارضة والمنظمات الاجتماعية إضافة إلى مساندة أكثر من سبعين في المئة من التونسيين حسب استطلاعات الرأي الأخيرة. لكن في مقابل ذلك تبدو «النهضة» مترددة في مسألة إعادة تكليف الجبالي، فتصريحات قيادييها تبقي فرضية ترشيح شخصية أخرى واردة، خصوصاً أن رئيس كتلة «النهضة» في المجلس التأسيسي الصحبي عتيق أكد أن حركته لن ترشح الجبالي إلا إذا استجاب للشروط التي ستحددها له. ورجحت تقارير إعلامية أن يرشح الحزب الحاكم وزير الصحة عبداللطيف المكي أو وزير الفلاحة محمد بن سالم لخلافة الجبالي. ويرى محللون أن رئيس الوزراء المستقيل أمسك مجدداً بزمام المبادة السياسية بعد تقديمه استقالته أول من أمس باعتبار أنه ظهر كرجل دولة احترم وعده بالاستقالة في حال فشل مبادرته. وزادت هذه الاستقالة من رصيد الثقة الذي تمتع به الجبالي أخيراً، إضافة إلى تصريحات غربية مشيدة بخطوته باعتبارها تحملاً للمسؤولية ليس معهوداً في الدول العربية. وأعربت فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي عن «احترام» للجبالي. ودعا وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيله أمس «القوى السياسية كافة» في البلاد إلى تبني «فكر الحوار وتجاوز الخلافات التي تقسم البلاد»، فيما أشادت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون «بالعمل الذي أنجزه الجبالي على رأس الحكومة التونسية وحسه الكبير لمفهوم الدولة». هذه المؤشرات كلها تحيل على أن الجبالي في موضع قوة بسبب التأييد الداخلي والخارجي الذي يحظى به، وهو ما يجعله يفرض شروطه على «النهضة»، خصوصاً تشكيل حكومة من دون إقصاء أي طرف سياسي لا سيما «نداء تونس» الذي يرأسه الوزير الأول السابق الباجي قايد السبسي، إضافة إلى اشتراطه عدم ترشح أي عضو من أعضاء الحكومة المرتقبة في الانتخابات المقبلة.