هل هناك إمكان لتوحد مناهج البحث الديني؟ في نظري أن أي إجابة مباشرة لهذا السؤال، هي إجابة متسرعة، ولاسيّما في عصر تطورت فيه المفاهيم الدينية وتشابكت مع مخرجات عصرية «سياسية واجتماعية وتقنية» لا تسمح بفاعلية الفهم الراكد! إذاً الموضوع أكبر شمولاً، وأكثر تعقيداً من الإجابة ب«نعم» أو «لا»، وقد كانت هذه الإجابة المباشرة سبباً في اختزال الكثير من صور الحقيقة الفهمية والاجتماعية أدت إلى انسداد فهمي وسلوكي، الأمر الذي يجعلنا أمام مسؤولية البحث عن أجوبة كبرى، وقد أصبحنا أكثر جدارة لها في عالمنا اليوم، الذي يتيح فرصة عظمى من الاتصال والتواصل. في أول الأمر نحن مطالبون بإنتاج نظرية علمية للفهم الديني تأخذ شكل المنظومة ذات الأبعاد النصية والفهمية والسلوكية، في وعي لسيرورة الزمن في ظروف نشأة الخطاب الديني وتمرحلاته، وفي القراءة الجادة لمستقبله وتفاعلاته. وهذا يعني أن هناك جهداً استثنائياً موضوعياً يجب أن يبذل لتحديد أُطر النظرية البحثية في فهم الدين. وإذ أطرح هذه الفكرة فأنا لا أتجاهل جهوداً بذلت وبعضها كان له أثر في تطور الوعي الديني، إلا أن هذه الجهود كانت وفي معظمها تدور بين «الفردية والظرفية والإقليمية»، ما لم يتح لها التلاقي والتراكم، فضلاً عن أن طبيعة عصرنا تستدعي جهداً جمعياً ينتج عنه مخرج عالمي يتجاوز المفاهيم المؤقلمة، فضلاً عن المفاهيم المؤدجة! نجد أنفسنا أمام حتمية الوعي لهذه القضية، لأن الوعي المتردي الذي ينتشر بفعل سهولة الوسائط الإعلامية، سوف يجعل السطحية هي المحرك لتداول الفهم الديني، ما تغيب معه مقاصد الأحكام وروح الشريعة، وعند ذلك تكون القطيعة هي مركز التحولات! عندما نطرح هذه الدعوة لتأسيس نظرية الفهم الديني فنحن لا نستثني ولا نستبعد أياً من مكونات التدين، بِدءً من فلسفات الأديان وجدليات الإيمان والعقائد، والفقه وقواعده وجدليات الاستدلال، والسلوك والتصوف. على تعدد المذاهب والمدارس. إذاً الهدف استيعاب الموجود لإنتاج المفقود، وهو بناء النظرية الفهمية للدين. هذه دعوة إلى المهتمين في بلدي، الذي هو مهبط الوحي ومنطلق الرسالة. أصحاب الأفكار وأهل المعرفة، ومؤسسات المجتمع من مراكز البحث ودور النشر، ومؤسسات الدولة كوزارة الشؤون الإسلامية، التي أتمنى أن تأخذ بزمام المبادرة لعقد ورش عمل وحلقات نقاش حول الخطاب الإسلامي، لترتقي هذه الورش والحلقات إلى مركز بحث عالمي لدراسات الفكر الإسلامي يكون فاعلاً في الدعوة العالمية لتأسيس «نظرية الفهم الديني»، وعند ذلك سنكون في أول خطوة من إجابة السؤال: فهم الدين... هل يتوحد المنهج؟ * عضو مجلس الشورى. [email protected] @alduhaim