تظاهر أمس آلاف من أنصار «حركة النهضة» الإسلامية الحاكمة في العاصمة التونسية من أجل «دعم الشرعية الانتخابية»، ورفضاً لاقتراح رئيس الحكومة حمادي الجبالي تشكيل حكومة تكنوقراط، فيما يتوقع إعلان تشكيل الحكومة الجديدة غداً وينتظر أن تكون صيغة وسطاً بين مبادرة الجبالي وتمسك الحركة بحكومة سياسية. وأشرف على التظاهرة، وهي الثالثة التي تنظمها «النهضة» منذ أطلق الجبالي مبادرته عقب اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد، قيادات في الحركة، زعيم الحركة راشد الغنوشي الذي خطب في المشاركين للمرة الأولى، ما يشير إلى أنها ورقة الضغط الأخيرة التي تلعبها لفرض شروطها في التفاوض على مبادرة الجبالي، وهو أيضاً أمينها العام. ودعا الغنوشي إلى «ضرورة دعم الشرعية والوحدة الوطنية»، مشدداً على «حماية الثورة من الانقلاب والتراجع» في صورة خروج حركته من الحكم. ورفع المتظاهرون شعارات ضد المعارضة والإعلام وفرنسا على خلفية تصريحات وزير داخليتها مانويل فالز التي انتقد فيها الإسلاميين الأسبوع الماضي، واعتبرتها «النهضة» تدخلا في شؤون البلاد. وردد المتظاهرون هتافات مؤيدة للحركة مثل: «الشعب يريد النهضة من جديد» و «بالروح بالدم نفديك يا شرعية»، واخرى تطالب بتوحيد التيارات الإسلامية وتطبيق الشريعة مثل «تحرير، نهضة، سلفية: وحدة، وحدة اسلامية» و «الشعب يريد تحكيم شرع الله». وتجمع المتظاهرون في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي في العاصمة رافعين أعلاماً تونسية ورايات «النهضة» و «حزب التحرير» ورايات سلفية سوداء. وقدمت أعداد كبيرة من المتظاهرين من ولايات بعيدة من العاصمة مثل القيروان (وسط غرب) وصفاقس (وسط شرق) وقابس (جنوب شرق) على متن حافلات، بحسب وكالة «فرانس برس» التي قدرت أعداد المشاركين بنحو 15 ألفاً، أي أقل من ثلث عدد المشاركين في تظاهرة تشييع بلعيد الأسبوع الماضي. واستنكر عدد من المتظاهرين اللقاء الذي عقده الجبالي أول من أمس مع الأحزاب السياسية والذي حضرته أحزاب يتهمونها بالانتماء إلى النظام السابق، في إشارة إلى رئيس حركة «نداء تونس» رئيس الوزراء السابق الباجي قائد السبسي ورئيس «حزب المبادرة» وزير الخارجية السابق كمال مرجان. واعتبر أنصار «النهضة» حضور الغنوشي ذلك اللقاء «تطبيعاً مع فلول النظام السابق». وكان الجبالي أعلن مساء أول من أمس إثر لقائه رؤساء الأحزاب للتشاور في شأن مبادرته التي تقضي بتشكيل حكومة كفاءات وطنية، إرجاء المفاوضات إلى غدٍ الاثنين. واعتبر المفاوضات «مشجعة»، مشيراً إلى أنّ مسارها «تميّز بالصراحة والشفافية والاحترام». وعلمت «الحياة» أن بعض الأطراف المشاركة في الاجتماع «بقيت في الوسط ولم تبيّن موقفها صراحة من مبادرة الجبالي، وطلبت مزيداً من الضمانات والتوضيحات»، بحسب مشاركين. ويبدو أن المبادرة التي طرحها الجبالي ستأخذ موقع الوسط بين حكومة التكنوقراط المستقلة وحكومة الائتلاف الوطني التي تطالب بها «النهضة» وحزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» الذي يقوده الرئيس منصف المرزوقي. لكن المعارضة التي دعمت مبادرة الجبالي تتمسك بأن تكون وزارات السيادة محايدة في أي تركيبة حكومية مرتقبة. وقال عضو المكتب التنفيذي ل «الحزب الجمهوري» وسام الصغير ل «الحياة» إن حزبه «منفتح على كل الخيارات، لكنه لن يتنازل عن مطلبه المتمثل في إخراج وزاراتي الداخلية والعدل من تحت سيطرة النهضة». وبحسب المعطيات المتواترة، ستتشكل الحكومة المرتقبة من كفاءات مستقلة إضافة إلى سياسيين، وهو ما يعني أن «النهضة» ستدعم الحكومة، بانتظار موقف «الجبهة الشعبية» اليسارية التي كان ينتمي إليها بلعيد والتي لا تزال تطالب بعقد مؤتمر عاجل لإنقاذ الوضع وباستقالة كاملة لحكومة الجبالي، وهو موقف تنفرد به من دون بقية الأحزاب السياسية وسط توقعات ببقائها في المعارضة حتى بعد إعلان الحكومة الجديدة. وطالبت قيادات في «النهضة» بمزيد من الوقت لتحديد موقفها من مبادرة الجبالي، خصوصاً أنها تنتظر التأثير الذي ستحدثه تظاهرة أمس المساندة لها. وظهر الجبالي واثقاً من نفسه بعد الاجتماع مساء اول من أمس، وهي المرة الأولى التي لم يلوح فيها بالاستقالة منذ أطلق مبادرته، ما فسره محللون بأنه اقترب كثيرا من الحل الوسط الذي يوفق بين مطالب «النهضة» ومبادرته التي مازالت تحظى بتأييد واسع من المعارضة بانتظار ما ستفضي إليه مشاوراته الأخيرة غداً.