يضع العريس سيفه جانباً، فيهرع أحد الحاضرين ليعيده إليه هامساً في أذنه بلهجة حادّة: «لا تُفلت السيف من يدك أبداً...عيب». على رغم اندثار عصور الفروسية وأفول مجد السيف الذي بات مجرد زينة في الأعراس اليمنية، لا تزال ثقافة السيف توجه سلوك يمنيين كثر، خصوصاً في استخدامه للتعبير عن الشجاعة والرجولة، في شكل يذكّر بقول قديم: «وعادة السيف أن يزهى بجوهرة وليس يعمل إلا في يدي بطل». تخصص بعض صالات الأعراس في صنعاء موظفاً مهمته إرشاد العرسان وتنبيههم إلى التزام قواعد إمساك السيف وعدم إفلاته. ويمثل السيف عنصراً رئيساً في زينة العريس، خصوصاً في المناطق الشمالية في اليمن، وحتى الشبان العصريون الذين لم يسبق لهم ارتداء الزي الشعبي، يجدون انفسهم ملزمين اتباع طقوس الزواج التقليدي، ومنها ارتداء الثوب وحمل الخنجر اليمني (الجنبية) واعتمار العمامة المزينة عادة بنباتات عطرية، وحمل السيف طبعاً. ويعتقد البعض أن تزيين العريس بالسيف يدل على الشجاعة، خصوصاً أن اسمه في تراث الحروب والآداب الشعبية يرتبط بالشرف، على عكس الخنجر الذي يرتبط في الأذهان بالغدر والخيانة. يقع السيف اليماني في صدارة السيوف العربية شهرة وجودة، وهو يندغم بسيرة الفرسان، ويعد «الصمصامة» سيف عمرو بن معديكرب الزبيدي نموذجاً بارزاً في تاريخ الفروسية وثقافتها. والزبيدي من ابطال العرب القدماء، عرف بعصبيته اليمنية ومعارضته الدولة المركزية. ويقول باحثون إن أياً من السيوف العربية لم يبلغ ما بلغه «الصمصامة» من شهرة دفعته إلى مشارف الأسطورة. وجاء في قصيدة قديمة: «سيف عمرو قد كان فيما سمعنا خير ما أغْمِدت عليه الجفونُ / أوقدتْ فوقه الصواعقُ ناراً ثم شابتْ به الزعافَ القيونُ». وتذكر بعض الروايات أن «الصمصامة» أحد خمسة سيوف أهدتها الملكة بلقيس إلى الملك سليمان. وعلاوة على التزيّن به في الأعراس، يحضر السيف في الأغاني والرقصات الشعبية، كما في الخطاب الأدبي والسياسي. وخلال القتال الذي شهدته منطقة أرحب (شمال صنعاء) بين القبائل المؤيدة للثورة وقوات الحرس الجمهوري، ظهر تسجيل بعنوان «أرحب سيوف اليمن الأصيلة». وهناك منتديات إلكترونية تحمل اسم «السيف اليماني» تُنشر فيها كتابات مناصرة للثورة السورية تخاطب النظام السوري وتهدّده ب «سيوف اليمن». يستخدم السيف كتعبير مجازي في السجال الفكري والأدبي، وفي أسماء الحروب الحديثة. وكان باحث عراقي نشر كتاباً بعنوان «السيف اليماني في نحر الأصفهاني صاحب الأغاني» لدحض ما سمّاها افتراءت الأصفهاني. وفي حزيران (يونيو) الماضي، أطلقت وزارة الدفاع اليمنية على عملية تحرير محافظة أبين من قبضة القاعدة اسم «السيوف الذهبية». ويتألف علم تنظيم «القاعدة» من قطعة قماش سوداء مرسوم عليها سيف. وما زال السيف يستخدم في الاستعراضات العسكرية الرسمية اليمنية حتى اليوم. ويطلق «سيف العارة» على الشخص المتذبذب والمتعدد المواقف، اي أنه مثل السيف الذي يعار في مناسبات الزواج. وبعض أسماء السيف، مثل «الحسام» و «المفضل»، تحملها أسر يمنية، ويشيع اسم العلم سيف بكثرة في اليمن. وهناك طرفة تقول إن معلّماً مصرياً سأل طالباً عن اسمه فأجاب الطالب: «سيف حزام طربوش». فرد المعلم: «أنا عايز اسمك مش عدّتك».