شهدت دار الإفتاء المصرية منذ ما يزيد على عشر سنوات تحولاً مثيراً للانتباه، فبعد أن كانت تعتمد على شخص مفتي الديار المصرية، أضحت مؤسسة علمية عصرية. ويعود الفضل في هذا إلى الدكتور علي جمعة، الذي انعكست شخصيته على الدار، فتجاوز دورها مصر ليصل إلى مناطق مختلفة في العالم. وفيما صدرت في عهد الشيخ محمد عبده خلال ست سنوات 944 فتوى، صدرت في عام 2010 ميلادية 465 ألف فتوى، وفي عام 2012 ميلادية 400 ألف فتوى. كان إنشاء أمانة الفتوى، وهي لجنة مكونة من كبار علماء الإفتاء، تعبيراً عن إمكانية إصدار الفتاوى بآلية ذاتية، وبما يؤكد الفصل بين شخص المفتي وبين المؤسسة، لكن الخطوة الأكثر تأثيراً وعمقاً في دار الإفتاء، إنشاء مركز للبحث العلمي في عام 2005، يقوم على الدراسات الشرعية لإدراك الواقع المعاصر إدراكاً دقيقاً وشاملاً، وتتبع الظواهر المحلية والعالمية، وكذلك ما يصل إليه الكثير من المؤسسات كمجمع البحوث الإسلامية ومجمع اللغة العربية ومجمع الفقه الإسلامي وغيرها. جاء إطلاق موقع دار الإفتاء في صورة شيقة عام 2006، لينقل الدار إلى الفضاء الأرحب للعام الرقمي. صدر الموقع بثماني لغات، وحمل تراث الفتاوى في دار الإفتاء حيث كانت الدار قد أصدرت هذا التراث في 39 مجلداً، كما يتيح موقع الدار استقبال أسئلة الجمهور والرد عليها، كما تم في عام 2010 تدشين مركز لإعداد المفتين من طريق التعليم من بعد، لإعداد مفتٍ كفوء والتحق عبر هذا المركز للتعليم الرقمي آلاف الراغبين. أضافت دار الإفتاء في عام 2010 أيضاً نظام الفتوى الهاتفية، ليسمح باستقبال الأسئلة باللغات التركية والروسية والأردية والإندونيسية والفارسية بجانب الإنكليزية والفرنسية والإسبانية والعربية. ساعد دار الإفتاء في هذه الإنجازات وغيرها نجاحها في الاستقلال مالياً وإدارياً عن وزارة العدل المصرية عام 2007 لكي يمتد عمل الدار بإنشاء إدارة للحساب الشرعي لتلبية احتياجات المجتمع في الخدمات المالية الشرعية كحساب الزكاة والشركات. لكن الفرق بين دار الإفتاء وبين غيرها هو اهتمامها بالتواصل مع الجمهور والإعلام، فتشارك عبر مواقع التواصل الاجتماعي (فايسبوك - تويتر - يوتيوب) بصفحاتها وآرائها ومرئياتها في شكل ملحوظ، وأصدرت دار الإفتاء منذ عام 2009 مجلة دار الإفتاء، وهي مجلة أكاديمية فصلية مختصة، بلغ عدد الأعداد التي صدرت 12 عدداً تضم أبحاثاً تناقش قضايا تراثية وأخرى عصرية، ولكي تمتد خدمات دار الإفتاء المصرية إلى أماكن مختلفة افتتحت الدار فرعين لها خارج القاهرة، أولهما في أسيوط بصعيد مصر، والآخر في الإسكندرية. استطاعت دار الإفتاء التواصل مع وسائل الإعلام العالمية وتقديم صورة مشرفة للإسلام والمسلمين، من بين هذه الوسائل، صحف واشنطن بوست ونيوزويك ونيويورك تايمز في الولاياتالمتحدة، وصحيفة دير شبيغل الألمانية، ولوموند الفرنسية، وماي نيتشي الأوسع انتشاراً في اليابان، وجريدة سودوست شفيتس، ومجلة فلت فوخي الواسعة الانتشار في سويسرا، وعدد من المحطات والقنوات العالمية كمحطة سي إن إن، ووكالة الأنباء العالمية رويترز، والموقع الرسمي للأمم المتحدة، بجانب عدد من القنوات التلفزيون المختلفة حول العالم. كانت دار الإفتاء المصرية حاضرة وبقوة في أكثر من مئة مؤتمر دولي وعالمي لمناقشة القضايا المختلفة سواء المتعلقة بالدفاع عن صورة الإسلام والمسلمين وتقديم النموذج الجيد لرجال الدين المسلمين، وتصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام والمسلمين ومن بين ذلك، منتدى دافوس العالمي، ومؤتمر السلام باليابان، والمؤتمر الإسلامي بتركيا، والذي يعد أكبر تجمع إسلامي سنوي، ومؤتمر حوار الحضارات ومبادرة كلمة سواء، وغيرها من المؤتمرات والمحافل الدولية. أيقنت دار الإفتاء أن احترام الأديان والرموز الدينية لن يتأتى إلا بالعمل الدؤوب والمخلص مع أصحاب الديانات الأخرى للتشديد على أهمية احترام المقدسات الدينية المختلفة، وبناء جسور الثقة من خلال الحوار والتعاون والتآلف بين أصحاب الديانات، وفي هذا الإطار سعت دار الإفتاء المصرية إلى بناء جسور الثقة والتعاون مع عدد من المؤسسات غير الإسلامية في الخارج. ظهر سعي دار الإفتاء المصرية في إحداث التكامل والتعاون مع المؤسسات الإسلامية في الخارج في التنسيق الدائم والمستمر في المواقف إزاء المستجدات على الساحة العالمية، كما ظهر التكامل أيضاً في التنسيق في شؤون الدعوة والتعريف بالإسلام هناك، فأخيراً استطاعت دار الإفتاء المصرية إطلاق حملة إعلامية كبرى لمواجهة الإساءات المتكررة ضد الإسلام ورموزه الدينية من خلال التعاون المستمر مع المؤسسات الإسلامية هناك. أنشأت دار الإفتاء المصرية المرصد الإعلامي لدار الإفتاء المصرية من أجل أن يصبح أداة فعالة لرصد الشأن الديني في مصر والعالم والقيام بالتحليل والمعالجة وفق المنهج العلمي، وتقديم الإرشادات النوعية والمهنية بقصد تنقية الساحة الدينية مما أصابها من ظواهر سلبية لتعود الساحة المصرية لريادتها المعتادة بمنهجها الوسطي وتجربتها الفريدة. ووضعت دار الإفتاء له مجموعة من الأهداف هي: - متابعة وسائل الإعلام محلياً وإقليمياً وعالمياً ومراقبتها. - تقديم الاستشارات الإعلامية. - توفير مواد إعلامية باللغات العربية والإنكليزية والفرنسية والألمانية. - المتابعة الإعلامية اليومية للصحف. - رصد التغطية السلبية أو غير الدقيقة. - معالجة كل خبر غير دقيق أو سلبي. - التحضير للأحداث الإعلامية وغيرها من الأحداث العامة. - وضع استراتيجيات للإعلان عن الآراء الرئيسة. - تقديم المشورة حول الشؤون الإقليمية والعالمية والأحداث التي ينبغي أن يدلي بها المفتي بدلوه. - تقويم ردود الفعل حول الفتاوى والآراء الصادرة، وتقديم المشورة والتوضيح إذا لزم الأمر. - رصد الفتاوى الشاذة ومراقبتها. مكتبة دار الإفتاء المصرية أنشات دار الإفتاء المصرية مكتبة علمية ضخمة في عهد فضيلة الدكتور علي جمعة – مفتي الجمهورية – وتضم المكتبة عدداً ضخماً من الكتب والمجلدات التي تغطي العلوم الدينية والاجتماعية كافة وكل ما يتعلق بالإفتاء والمجالات المرتبطة بها. حيث تشمل المكتبة أقسام (القرآن الكريم وعلومه – الحديث الشريف وعلومه – التوحيد والمنطق وعلم الكلام – الفقه الإسلامي وأصوله – التصوف – اللغة العربية وعلومها – التاريخ الإسلامي والسيرة النبوية – القانون – المعارف العامة). وقد تم إنجاز إعداد فني كامل لمكتبة الإفتاء من خلال خطة تصنيف لتسهيل الوصول إلى جميع المقتنيات بسهولة، إضافة إلى تخصيص مكان محدد للأبحاث وأعمال المؤتمرات والرسائل الجامعية والدوريات وأعمال المؤتمرات. يضاف إلى ذلك، ترميم الكتب وخصوصاً القديمة والنادرة والتي تحويها مكتبة الدار من خلال التعاون مع وحدة الترميم بدار الكتب المصرية من أجل ضمان ترميم الكتب والمؤلفات القديمة والنادرة ومعالجتها على الوجه الأمثل من جانب المختصين في هذا المجال. ويتم عمل حصر دوري شهرياً باحتياجات المكتبة ونواقصها للعمل على تزويد المكتبة بها، ومشاركة المستفيدين من المكتبة في تحديد تلك النواقص والاحتياجات كي تظل المكتبة في ثرائها المتميز بكل ما ينتجه العقل البشري من إبداع وتأليف في شتى نواحي الحياة. تنتهي فترة الشيخ الدكتور علي جمعة الممدة آخر هذا الشهر. وبحسب القانون الجديد للأزهر وهيئة كبار العلماء، فإن الهيئة قامت قبل أربعة أيام باختيار خَلَف للمفتي جمعة هو الشيخ الدكتور شوقي إبراهيم عبدالكريم علام. والمأمول ان تستمر الدار على نهجها الجديد في الزمن الجديد لمصر والعرب والمسلمين.