ضاعفت الحكومة الجزائرية، منذ بداية الحرب في شمال مالي، الاهتمام بولايات الجنوب حيث يعيش آلاف الطوارق الذين تربطهم علاقات مع أبناء قبيلتهم في ما وراء الحدود. ويغادر مسؤولون حكوميون في الأيام المقبلة إلى وجهات في قلب الصحراء، ما يعكس خشية الحكومة من أن ينتقل «المرض الأزوادي» إلى قبائل الجنوب في وجود شعور بتقصير الحكومة في مجال الإنماء. ويبدو أن قرار عدد من الوزراء التوجه إلى ولايات جنوبية جاء بناء على توجيهات رئاسية، وفي ظل مطالبات بتكثيف الاهتمام بالمناطق الصحراوية تزامنت مع الحملة العسكرية في شمال مالي، حيث تقول منظمات حقوقية دولية بتعرض الطوارق لحرب تصفية عرقية على أيدي الجيش المالي بدعوى «محاربة الجماعات الإرهابية»، ما يجد صداه لدى أنسبائهم في الجزائر. وزير الاتصال محمد السعيد يتوجه اليوم إلى ولاية تمنراست (2000 كلم جنوب العاصمة) في زيارة رسمية لتدشين المقر الجديد للإذاعة المحلية، فيما يغادر وزير الداخلية والجماعات المحلية دحو ولد قابلية ووزير الفلاحة رشيد بن عيسى في اتجاه ولاية إليزي (1400 كلم جنوب شرقي العاصمة)، وهي الولاية التي شهدت اعتداء مسلحاً على منشأة للغاز منتصف الشهر الماضي. ويتردد أن وزير الداخلية سيلتقي أعيان المنطقة حول «الملف الأمني» في الجنوب، لكنه قد يصطدم باحتجاجات شباب الولاية الغاضبين من سياسة التشغيل في الشركة الحكومية للنفط «سوناطراك». وكشفت تطورات الوضع في شمال مالي خشية انتقال مشكلات أمنية وسياسية إلى الجزائر عبر ملف اللاجئين وحركة السلاح. ويعتقد مراقبون بأن اعتداء تيقنتورين في عين أمناس سرع من إقحام الجزائر في المشكلة المالية. وعلى رغم تمسك الجزائر لشهور بالحل السياسي في مالي، وضع قرار الحكومة السماح لطائرات فرنسية عبور الأجواء الجزائرية في اتجاه شمال مالي، في «حرج» أمام أعيان قبليين من الطوارق. وفي سياق تطورات الجنوب، كشف مسؤول أمني جزائري، تعزيز السلطات الأمنية للحدود الجنوبيةالغربية، في إطار الجهود المبذولة لمواجهة شبكات التهريب والجريمة بكل أنواعها. وقال العقيد جمال عبد السلام زغيدة، من جهاز الدرك الأمني، في ولاية بشار، إنه بالإضافة إلى دعم الجهاز بالعديد من وحدات حرس الحدود المجندة على طول الشريط الحدودي المشترك مع مالي والمغرب والصحراء الغربية وموريتانيا، تم تدعيم جهاز الدرك بوحدة مراقبة جوية يومية لهذه الحدود المؤمنة حالياً من جانب قوات الجيش. وكشف أنه يجري حالياً تنفيذ مشروع لإنشاء وحدة جوية تابعة لجهاز الدرك مختصة بمراقبة الحدود، ومزودة طائرة صغيرة متخصصة في مثل هذا النوع من الأنشطة، في إطار تعزيز عمليات المراقبة والدفاع عن الأراضي الجزائرية. وعرض كل من روسيا وبريطانيا مساعدة فنية على الجزائر في تأمين الحدود ومكافحة الإرهاب. لكن الحكومة الجزائرية تنظر بحساسية لهذا النوع من العروض بناء على اعتقاد أنها في موقع يسمح لها بالتكفل بمشكلاتها الأمنية، وأن أي مساعدة يجب أن توجه إلى بلدان الجوار. وقد اتفقت الجزائر والولايات المتحدة على تعزيز التعاون على مراقبة الحدود. وأشارت السفارة الأميركية في الجزائر، إلى أن مسؤولين أميركيين وجزائريين التقوا في الجزائر العاصمة يومي 10 و11 الشهر الجاري لمناقشة سبل تعزيز التعاون لمواجهة التهريب وتأمين الحدود. ويأتي اللقاء، استكمالاً لجولة أولى من المشاورات الثنائية بدأت في كانون الثاني (يناير) 2012 لاستكشاف السبل والوسائل لتعزيز القدرات، لمنع تهريب المواد النووية والإشعاعية، ومواجهتها. وأعربت واشنطنوالجزائر، في الاجتماعات الأخيرة التي استمرت يومين، عن الاستعداد للتعاون بشكل وثيق «لمنع الإرهابيين وغيرهم من المجرمين من الحصول على المواد النووية من السوق السوداء».