الأخضر تحت 23 عاماً يُدشن استعداده لبطولة غرب آسيا في عمان    "الآسيوي" يحدّد الملاعب التي تستضيف مباريات دوري أبطال آسيا للنخبة    استشهاد فلسطينيين في غزة    جمعية الدعوة بأجياد تطلق مسابقة "الحفيظ " لحفظ السنة النبوية في رمضان    خالد الجابري ضمن قائمة فوربس لأقوى مديري الأصول في الشرق الأوسط لعام 2025    أكثر من 10 ملايين وجبة إفطار في الحرمين الشريفين    معهد الإدارة العامة يعتمد الواقع الافتراضي في تطوير التدريب    الدولار يتراجع بسبب مخاوف اقتصادية    مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية يجدد مسجد العباسة أحد أبرز أصول التراث العمراني بجازان    أمين القصيم يزور "بسطة خير السعودية" ويشيد بجهود المشاركين    دوريات حرس الحدود الساحلية تحبط تهريب (24) كيلوجرامًا من مادة الحشيش المخدر بضباء    إدمان الأجهزة لدى الأطفال.. 7 علامات تحذيرية وحلول فعالة    تطوير قدرات الذكاء الاصطناعي مع ضمان امتلاكها أعلى معايير الأمان والموثوقية.. بين التحديات والحلول    بادرة هدايا الخير لمرض الزهايمر تتنقل في جولة اجتماعية وصحية في أرجاء المملكة بشهر رمضان    18 ألف مستفيد من مركز الزامل للعيون بمستشفى الملك سعود بعنيزة في 2024    وكيل وزارة الداخلية لشؤون الأفواج الأمنية يتفقّد قوات الأفواج بمنطقة نجران    التصحيح يغلق مستودعات مخالفة في مركزية الطائف    القيادة تهنئ رئيس إيرلندا بذكرى اليوم الوطني لبلاده    ولي العهد السعودي يطلق خريطة «العِمَارَة السعودية» ب19 طرازاً    معركة بدر" نقطة تحوّل في التاريخ الإسلامي ودروس خالدة في القيادة والتخطيط    بدجت السعودية وتمارا.. شراكة استراتيجية تعيد تعريف تجربة تأجير السيارات    موجز    واشنطن: الهجمات على الملاحة يجب أن تتوقف.. ضربات أمريكية على الحوثيين في 6 محافظات يمنية    للمرة الأولى في تاريخه.. وبحضور الرميان.. نيوكاسل بطلًا لكأس الرابطة الإنجليزية    ولي العهد ورئيسة وزراء إيطاليا يبحثان المستجدات الدولية    احرصوا على سجل الذكريات    معرض "الداخلية" يعرف بالخدمات المقدمة لضيوف الرحمن.. تطبيقات ذكاء اصطناعي لإدارة الحشود    34 قتيلًا وجريحًا.. حصيلة انفجار اللاذقية.. الضباط «المنشقون» ركيزة الجيش السوري الجديد    إذا لم تفشل.. فأنت لم تحاول من الأساس    «عشا الوالدين»    4.07 تريليون ريال حجم الناتج الإجمالي.. السعودية .. نمو مستدام ووجهة عالمية للاستثمار    نائب أمير منطقة تبوك يشارك الأيتام إفطارهم    هيئة المدن الصناعية ارتفاع عدد المصانع بتبوك إلى 200%    جمعية تحفيظ القرآن الكريم بالعيص تنهي برنامج ( أكلفهم ولك أجرهم )    صور مشرقة ل"كشافة تعليم الطائف" في خدمة المعتمرين بميقات السيل    لوران يريح اللاعبين خمسة أيام    برشلونة يتغلب على أتلتيكو مدريد في الدوري الإسباني    مستشفى الأمير ناصر بن سعد السديري بالغاط يواصل حملة "صم بصحة"    الزلزولي خيار جديد على رادار الاتحاد    مرسم مفتوح ومعرض تشكيلي في رمضان زمان    العلمانية.. عناصر جديدة لفهم مسارها    «مسام» ينتزع 548 لغمًا خلال أسبوع في اليمن    أخطر رجل في الجماعة الإرهابية: مرحلة الإمارات (7)    إصلاح قدرات الناتو ضرورة لمواكبة التهديدات المتسارعة    ترفيه ومبادرات مجتمعية    4.67 ملايين للعناية بمساجد الأحساء    تي تي إم تحتفي بإرثها في ملتقيات رد الجميل    نوتات موسيقية لحفظ ألحان الأهازيج الشعبية    طاش مديرا تنفيذيا للمدينة الطبية    321 عملية أورام تعيد الأمل لمرضى جازان    100 متطوع ومتطوعة بحملة صم بصحة    نائب أمير نجران يثمَّن جهود الأفواج الأمنية.. ويكرم الطلاب المميزين    وغابت الابتسامة    طويق جازان في مبادرة إفطار مرابط بالحد الجنوبي    وفاة الأميرة نورة بنت بندر آل سعود    إطلاق 16 كائنًا فطريًا في محميات العلا    نائب أمير منطقة مكة يستقبل رئيس المحكمة الجزائية بجدة    فرع هيئة الصحفيين بجازان يحتفي بيوم العلم السعودي بالتعاون مع فندق جازان ان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تشريع الاغتيال بين الحكومة والثقافة في أميركا
نشر في الحياة يوم 10 - 02 - 2013

تشهد الساحة الإعلامية والسياسية في الولايات المتحدة بعض الضجة إثر تسريب مذكرة قانونية أعدّها خبراء عدليون حول مشروعية إقدام السلطات على اغتيال مواطنين أميركيين في حال التحاقهم بجهات معادية. وفي حين تفاوتت المواقف حيال هذه المذكرة وما يترتب عليها، بناء على اعتبارات اختلط فيها المبدئي بالسياسي، فالمتوقع أن يتبدد السجال خلال فترة وجيزة، وألا يصل إلى موقع المساءلة الذاتية التي تحقق التبديل في المنهج. وبهذا تكون الولايات المتحدة، كثقافة وكطبقة سياسية، أضاعت فرصة جديدة في الارتقاء إلى حالة التطابق بين القيم التي تعتنقها وتدعو إليها، وبين السلوك الذي تقدم عليه حكوماتها في أكثر من ملف.
وهدف المذكرة هو تقديم الغطاء العدلي لحكومة الرئيس باراك أوباما، والتي عمدت من خلال طائرات ضاربة من دون طيارين إلى قتل عدد من المواطنين الأميركيين من الذين انضموا إلى تنظيم «القاعدة» في اليمن وغيره. وقراءة المذكرة تكشف أن الخبراء المعنيين لجأوا إلى ما يقارب التلاعب اللفظي لتوسيع رقعة ما هو مباح للحكومة في قتل المستهدَفين، فأدرجوا في المذكرة العبارة المعتادة التي تجيز التحرك من دون تخويل قضائي. فأشاروا إلى أن الاستهداف جائز في حال شكل المستهدَف خطراً داهماً، لكنهم أضافوا أن الخطر الداهم لا يعني بالضرورة الخطر الفوري. فمن خلال هذه الضبابية يمسي تأويل الجواز أو عدمه من صلاحية الحكومة، وتنتفي الرقابة القضائية. والاعتراض الناتج عن التسريب في الأوساط السياسية والإعلامية يتمحور في معظمه حول تجاوز السلطة التنفيذية القيود المفروضة عليها، والتي تشترط الإجازة والتخويل من السلطة القضائية قبل التعرض لأي من الحقوق الثابتة للمواطنين الأميركيين، وأولها طبعاً الحق في الحياة.
معظم الأصوات المعترضة استبقت إعرابها عن الاعتراض بتأكيد أن المسألة ليست دفاعاً عن المستهدَفين، بل تمسكٌ بالحقوق الدستورية وبمبدأ فصل السلطات والرقابة المتبادلة بينها. والسعي اليوم هو إلى إيجاد الصيغة- من خلال السلطة التشريعية- التي تتيح للحكومة الاستمرار في تصيّدها المنضوين تحت لواء «القاعدة»، من دون تجاوز السلطة القضائية.
ولا شك في أن أشهر من سقط نتيجة الاغتيال بطائرة من دون طيار هو الأميركي اليمني الأصل أنور العولقي، صاحب الخُطَب التحريضية باللغة الإنكليزية الداعية إلى مهاجمة المصالح الأميركية، والذي يشتبه أنه كان على تواصل مع نضال حسن، الطبيب الضابط الأميركي من أصل فلسطيني الذي ارتكب مجزرة في حق زملاء له عام 2009. وقتل العولقي، كما قتل زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن، من المقومات الأساسية في صورة أوباما كرئيس لا يفرّط بالأمن الوطني الأميركي، فإذا كانت ثمة إشكالات عدلية في العمليتين، فإنها تتهاوى أمام الرضا العام، بل الاعتزاز بنجاحهما. ومن ثم فالاعتراض اليوم يكاد أن يكون شكلياً، إذ يطالب بتصحيح الإطار القانوني للخطوة، وليس بمنع حصولها.
والتداعيات الخطيرة لهذه المسألة هي في التآكل المستمر للتمسك بالمواقف المبدئية المجردة لمصلحة الاكتفاء بالمقدار الشكلي من الاعتراض، والكفيل بالإيحاء بأن المبدئية لا تزال سليمة. فواقع الأمر أن أسامة بن لادن أُعدِم ميدانياً، بما يخالف الطرح المعنوي الملازم للصورة الذاتية في الولايات المتحدة حول التصرف العادل مع الصديق والعدو على حد سواء. وإذا كان إعدامه الميداني أمراً واجباً لمنع فراره، فإن حكومة أوباما لم تقدم ما يفيد بذلك، ولا طالبها بذلك أحد. وإذا كانت ثمة مبررات مكتومة في حالة بن لادن، فإن قتل العولقي يجلب إشكاليات عديدة. والقضية هنا ليست في أعداد الضحايا التي تساقطت عرضياً نتيجة تصيّد الطائرات أهدافها من تنظيم «القاعدة»- وهذه مسألة فائقة الخطورة لا تلقى النظر أو الاعتراض- بل في أنه كان بالإمكان توقيف العولقي، غير أن التفضيل كان قتله. وحتى إذا حاججت الحكومة الأميركية بأن قتل العولقي له ما يبرره، فهي عاجزة عن تفسير استهداف ابنه القاصر وقتله. ومجدداً لا مساءلة ولا اعتراض من الوسط الثقافي في الولايات المتحدة.
بل إن هذا الوسط لا يسأل ولا يسائل في شأن حالات متكررة، منها الأصيل ومنها الطارئ، تصل خطورتها إلى حد وضع صدقية الولايات المتحدة، حكومة وثقافة، على المحك. فمن الحالات الأصيلة معتقل غوانتانامو الذي يستمر، رغم تعهد أوباما إغلاقه، كإطار شاذ يخالف النظم المعتمدة في الولايات المتحدة والمقبولة عالمياً، ويشهد كذلك ممارسات أقل ما يقال فيها إنها تتجاوز الحقوق الأساسية للمعتقلين. ومن الحالات الأصيلة أيضاً مسألة يجري التلويح بها بين الحين والآخر، مع بقاء هذا التلويح في سياق السجالات السياسية، وهي إقدام الحكومة الأميركية في عهد الرئيس السابق جورج دبليو بوش على تعذيب واسع النطاق للمعتقلين، بحجة ضرورة انتزاع المعلومات منهم، سواء مباشرة في السجون السرية، أو من خلال تلزيم التعذيب لدول أخرى. أما الطارئ من هذه الحالات، فغالباً ما يبرز في الإعلام لوهلة وجيزة ثم ينقرض النظر فيه، رغم جسامته. ومن ذلك، مثلاً لا حصراً، مجزرة الحديثة خلال الانتشار العسكري الأميركي في العراق، التي قتل نتيجتها عشرات من العراقيين عام 2005 بفعل اعتداء مجاني من جنود أميركيين، طالت محاكمتهم لأعوام قبل أن يُخلى سبيلهم وكأن جرماً لم يكن. بل إن الحربين في العراق وأفغانستان مليئتان بالحالات المشينة، من سجن أبو غريب إلى فريق الموت من هواة صيد الأفغان، وصولاً إلى شبهة استعمال السلاح الكيماوي في معركة الفلوجة.
والمسألة هنا ليست التجاوزات في حد ذاتها فحسب، إذ أن كل حرب متخمة بالمآسي، ولا حتى المعالجة القضائية القاصرة لهذه التجاوزات، فمعيار العدالة لدى القضاء العسكري قد يكون محكوماً باعتبارات تتجاوز الصرامة الحقوقية. بل صلب المسألة هو الصمت، أو ما يشبهه في الوسط الثقافي الأميركي، والتجاهل الضمني لما يتعارض وروح القيم التي يعلن هذا الوسط أن الولايات المتحدة تجسدها. وللأسف، في مسألة هذه الاغتيالات المشرّعة من دون محاكمات، يبدو أن الوسط الثقافي الأميركي يسير في اتجاه تحقيق مزيد من الاهتراء للموقف الأخلاقي للولايات المتحدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.