أعلنت تجمعات بدوية شرق القدس رفضها مشروعاً اسرائيلياً يهدف الى ترحيل الآلاف من البدو من مضاربهم في المنطقة «إي 1»، ونقلهم الى بلدات جديدة قرب اريحا وفي بلدة ابو ديس قرب القدس، وهو مخطط حذرت السلطة الفلسطينية ومؤسسات دولية من مخاطره. وكان مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أكد وجود خطة إسرائيلية لإجلاء ما يزيد على سبعة آلاف بدوي، نصفهم من منطقة قرب القدس عارضت واشنطن طويلاً خطط الاستيطان فيها. كما أكد بيان صدر عن تحالف يضم 42 منظمة غير حكومية، ما نشرته صحيفة «هآرتس» الثلثاء الماضي من ان إسرائيل اتخذت خطوات لوضع اللمسات الأخيرة لخطة نقل نحو 12500 فلسطيني إلى مساكن جديدة تبنيها لهم في غور الأردن، خصوصاً بلدة النويعمة. وقبل نحو أسبوعين، أعلنت الإدارة المدنية الإسرائيلية طرح ستة مخططات مقترحة لبناء قرى جديدة للبدو قرب أريحا وقرب بلدة أبو ديس شمال الضفة الغربية. وتسكن غالبية البدو في مناطق شرق القدس في الموقع المسمى إسرائيلياً «إي 1». وتهدف الإدارة المدنية الإسرائيلية من وراء هذه المخططات المقترحة إلى ربط مستوطنات القدسالشرقية، بمستوطنة «معالية أدوميم» المقامة على أراضي العيزرية، ومستوطنات البحر الميت. ويرى الفلسطينيون ان المشروع يهدف الى الاستيلاء على 12 ألف دونم تمتد من أراضي القدسالشرقية حتى البحر الميت، وتفريغ المنطقة من أي وجود فلسطيني كجزء من مشروع لفصل جنوب الضفة عن وسطها، إضافة إلى السيطرة على آلاف الدونمات من أراضي الأغوار. ويعيش ما يزيد على 265 عائلة بدوية من عرب الجهالين في منطقة الخان الأحمر منذ عام 1951. وقال مختار النويعمة سليمان أبو فيصل أن الأراضي التي ستخصص لكل عائلة في المشروع الجديد ضئيلة بالمقارنة لاحتياجات البدو. وأضاف: «الآن المخطط اللي عملوه فيه نمر... خمسمية متر للنمرة... لا تكفي حاجة البدو الآن. لا تكفي للغنم... لا تكفي الواحد بده اذا بده يعمل مستودع للعلف... بده يعمل مستودع لسخول براكس... لسخول كمان عنده. هذا لا يكفي حاجات التجمعات البدوية». ولا يشعر الشاب نصر أحمد (29 سنة) الذي يعود مكان سكن جده الى منطقة بئر السبع، بأي انتماء الى مكان آخر غير هذا الذي يسكنه في الخان الأحمر. وقال لوكالة «رويترز» فيما كان يقف خارج الغرفة الصيفية التي اجتمع فيها القادمون للتضامن معهم: «المربى (المكان الذي ولدت وعشت فيه) غلب الأصل. أنا ولدت هنا، ولا أعرف مكاناً آخر». وأضاف: «الحياة صعبة جداً هنا... أنا درست للصف السادس، وكنا نمشي مسافة 18 كيلومتراً للوصول من المدرسة (في اريحا) الى هنا». وتابع أحمد المتزوج ولديه اربعة اطفال ويسعى الى ان تكون حياتهم أفضل من الحياة التي عاشها: «اذا كان ما يقولونه (الاسرائيليون) صحيح بأنهم يريدون تحسين حياتنا، فليحسنوها هنا في هذا المكان». وقال: «نعرف ماذا يريدون، إنهم يريدون الارض من اجل ان تتوسع المستوطنات التي تراها (على التلة المقابلة) هذه المستوطنات التي تحرمنا ان نصل الى نبع المياه». وقال: «كان عند والدي قبل سنوات 300 رأس من الأغنام، ومع استمرار التضييق علينا وارتفاع تكاليف الأعلاف، لدينا اليوم فقط 50 رأسا». وأضاف: «كما ترى الجبال قاحلة والمكان كل عام يضيق اكثر، فممنوع علينا ان نقترب من حدود تلك المستوطنة (على بعد مئات الامتار). إنهم يراقبون كل ما نقوم به». وعن سبب رفضه الرحيل الى منطقة تتوافر فيها خدمات المياه والكهرباء والبنية التحتية، قال إن البدو «لا يستطيعون تغيير نمط حياتهم والعيش في منطقة محصورة، كما أن الهدف ليس راحتنا وانما الاستيلاء على الارض». ولا يبدي نصر اهتماماً بالخطابات السياسية، ليس فقط تلك التي تدور داخل الغرفة الصيفية، بل أيضاً ما قاله الرئيس محمود عباس في الاممالمتحدة اول من امس والهجوم الحاد الذي شنه على الحكومة الإسرائيلية، وقال انه لم يسمع ما قاله عباس، وأنه لا يريد أن يسمع ما يقول السياسيون داخل الغرفة الصيفية، وأن ما يريده هو أن تساعدهم السلطة الفلسطينية على الصمود في هذا المكان بالدعم المادي للاعلاف لمواشيهم على الاقل. وأضاف: «إذا كانت السلطة تريد لنا ان نصمد في هذا المكان، فلا بد من وقفة للجميع. بذلك لن يستطيعوا اقتلاعنا من هنا والاستيلاء على الارض». وأوضح أن إسرائيل تحاول استخدام أسلوب الإغراء معهم، وقال: «حضر ضباط من الادارة المدنية الاسرائيلية، وحاولوا مساومتنا على الرحيل من هذا التجمع الى المكان الجديد المقترح، وانه سيكون فيه كل شيء، كهرباء وماء ومدارس، لكننا نرفض ولن نرحل طواعية». وأضاف: «نعلم ما يريدون (الاسرائيليون)، يريدون هذه الارض من دون فلسطيني واحد. نعرف المخططات لهذه المنطقة، يريدون ان يكون الحاجز الاسرائيلي على مدخل اريحا، وان تكون هذه المنطقة من القدس للبحر الميت كلها مستوطنات». وأوضح الشاب محمود ابو داهوك المتزوج ولديه اربعة اطفال اكبرهم عمره 11 سنة، وأصغرهم خمسة أشهر، ويعيش في المنطقة ذاتها قائلاً: «لم يعد في مقدرونا ان ننتقل الى مكان آخر بحثاً عن الماء والعشب كما في السنوات السابقة. إنهم (اسرائيل) لا يسمحون لأحد يغادر المنطقة بأن يعود اليها». وأضاف لوكالة «رويترز» بعد أن حضر عدد من أفراد الشرطة الاسرائيلية الى التجمع: «نريد ان تكون حياة ابنائنا افضل من حياتنا، لكن ليس من خلال الرحيل عن هذا المكان». وأضاف: «كانت المشكلة الكبيرة لدينا في تعليم الاولاد، واليوم توجد مدرسة هنا يتعلم بها الاولاد والبنات. لن يحتاجوا ان يقفوا على جانب الطريق بانتظار سيارة تقلهم او السير اكثر من 15 كيلومتراً للوصول الى المدرسة». الأطفال البدو وقالت الطفلة نسرين عيد (11 سنة) وهي تقف بجوار مدرستها التي اقيمت عام 2009 من اطارات السيارات المستعملة: «ما بدنا نرحل من هون، ما بدنا نروح على مكان ثاني». وأضافت: «لما أكبر بدي أكون محامية وأدافع عن الناس. بحب هذا المكان كثير». في الوقت نفسه، كانت زميلتها في المدرسة ذاتها عائشة محمد تنظر إلى تجمع من المواطنين حضر الى مقار معيشتهم للتضامن معهم، وبينهم قيادات محلية من حركة «فتح» وغيرها من الناشطين، من دون ان تعبأ بما يقولون. وقالت: «أريد أن أصبح معلمة حتى أدرس الطلاب هنا في هذه المدرسة. ما بدنا نروح على أي مكان ثاني». ويتعرض البدو في الضفة إلى عمليات هدم ومنع بناء مساكنهم، من جانب الجيش الإسرائيلي، بحجة البناء من دون ترخيص، في مناطق مصنفة «ج» (الخاضعة للاحتلال) حسب اتفاق أوسلو. وعادة ما تقوم إسرائيل بمنع الفلسطينيين في هذه المناطق بالبناء والتوسع بحجة أنها أراضٍ إسرائيلية. ونقلت وكالة «سما» عن مدير مركز القدس للمساعدات القانونية عصام العاروري اعتباره المشروع الإسرائيلي «ترحيلاً جماعياً مخالفاً للمادة 49 من اتفاقية جنيف، والتي عدت ذلك جريمة حرب يعاقب عليها القانون»، داعياً القيادة الفلسطينية إلى سرعة الانضمام إلى معاهدة روما، بما يمكنها من إقامة دعاوى ضد إسرائيل وقادتها أمام المحكمة الجنائية الدولية. وبيّن أن المخطط الإسرائيلي يحمل مخاطر سياسية واقتصادية واجتماعية، موضحاً أن البدو ينتجون نحو 13 في المئة من الثروة الحيوانية في فلسطيني، وينتجون نحو 5 آلاف طن من اللحوم الحمراء، و15 ألف طن من الألبان. وتابع: «ترحيلهم ووضعهم في تجمعات شبه حضرية من شأنهما رفع نسبة البطالة والفقر والعجز». ولفت إلى أن «طاقماً هندسياً وقانونياً يعمل في معركة قانونية مع الاحتلال لإفشال المشروع»، مضيفاً: «معركتنا مع الاحتلال سياسية، والنضال القانوني جزء منها».