هيمنت الأزمة السورية على القمة الإسلامية في دورتها الثانية عشرة التي تختتم أعمالها في القاهرة اليوم، فاهتم القادة الذين تحدثوا في الجلسة الافتتاحية للقمة أمس بإعلان مواقف بلادهم منها، فيما عقد رؤساء مصر محمد مرسي وإيران أحمدي نجاد وتركيا عبدالله غُل، قمة ثلاثية لمناقشة الأوضاع في سورية وسبل حل أزمتها. ودعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في كلمة وجهها إلى القمة وألقاها نيابة عنه ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير سلمان بن عبدالعزيز، المجتمعَ الدولي ومجلس الأمن إلى «إنهاء عملية انتقال السلطة في سورية بكل الوسائل الممكنة، وردع جرائم نظام بشار الأسد ضد الشعب السوري». وحض الرئيس المصري محمد مرسي فصائل المعارضة التي لم تنضم إلى «الائتلاف السوري» على التنسيق معه. أما رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، فطالب ب «مخرج سلمي» من الأزمة، فيما دعا الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلي، الأسد إلى «التضحية». وفي وقت أشاد رئيس دورة القمة المنتهية الرئيس السنغالي ماكي سال، بالدور الذي بذلته الحكومة الفرنسية في مالي، وأعرب عن أسفه لعدم التضامن الكافي مع مالي في منظمة المؤتمر الإسلامي، عبّر مرسي عن «القلق البالغ» من التصعيد في هذا البلد. وانتقد ضمناً التدخل الفرنسي، بأن دعا إلى «التعامل مع الوضع هناك من منظور شامل يتعامل مع الأبعاد المختلفة للأزمة ويعالج جذورها سياسياً وتنموياً وفكرياً وأمنياً». وسجل الرئيس الفلسطيني محمود عباس موقفاً لافتاً في كلمته خلال الجلسة الافتتاحية للقمة، بأن انتقد «الزيارات السياسية» التي تتخذ طابعاً رسمياً لقطاع غزة، «وكأن هناك كياناً مستقلاً في القطاع»، معتبراً أنها «تمثل مساساً بوحدة التمثيل الفلسطيني، وتعزيزاً للانقسام، وإضراراً بالمصالح الفلسطينية». ومعروف أن وفوداً مصرية وقطرية وتركية وتونسية وماليزية رسمية زارت غزة، خصوصاً خلال العدوان الإسرائيلي على القطاع وبعده. وتسلم الرئيس المصري رئاسة الدورة الثانية عشرة للقمة من الرئيس السنغالي، وانطلقت الجلسة الافتتاحية للقمة بتلاوة آيات من القرآن الكريم، ثم ألقى ماكي سال كلمة دعا فيها الدول الأعضاء إلى اعتماد البيان الرسمي الذي أعدته المجموعة الأفريقية في شأن مالي، وقال إن بلاده بذلت جهوداً حثيثة خلال رئاستها الدورة الحادية عشرة للقمة الإسلامية لحل أزمة مالي، مشيداً بدور الحكومة الفرنسية في هذا الإطار بناء على طلبها وفقاً لقرار الأممالمتحدة، ومشيراً إلى أن بلاده أرسلت القوات إلى مالى لمساعدتها فى مواجهة «الجماعات الإرهابية». وطالب الدول الأعضاء في المنظمة بضرورة بذل مزيد من الجهود للتضامن مع مالي فى مواجهة «الإرهابيين»، معرباً عن أسفه لعدم التضامن الكافي مع مالي في المنظمة. وقال إن «هذا البلد على وشك أن يختفي وبالتي يتعين علينا ألا نترك قلة يرتبكون جرائم وأعمالاً منافية لتعاليم الإسلام وأن يقوموا بتشويه صورة هذا الدين وبالتالى ازدياد الكراهية للإسلام». وأشاد بمبادرات خادم الحرمين الشريفين للتصدي للإرهاب، مطالباً بضروة تبنى استراتيجية تعاون شامل من أجل نشر التعليم والثقافة ومحاربة التطرف. وقال إن بلاده «تقف مع الشعب السوري الذي يتعرض للعنف والقتل بسبب مطالبته بالحرية»، مؤكداً أن «التحديات والمتغيرات الجديدة التي تواجه الدول الإسلامية تتطلب وحدة وتعاوناً كبيراً بين أعضاء منظمة التعاون الإسلامي». وبعد أن سلم سال رئاسة القمة إلى مرسي، ألقى الأخير كلمة حض فيها المعارضة السورية على «ضرورة الإسراع باتخاذ الخطوات اللازمة لتكون مستعدة لتحمل المسؤولية السياسية بجوانبها كافة حتى إتمام عملية التغيير السياسي المنشود بإرادة الشعب السوري وحده». ودعا أطياف المعارضة كافة التي لم تنضم إلى «الائتلاف الوطني السوري» إلى «التنسيق معه ومؤازرة جهوده لطرح رؤية موحدة وشاملة لعملية البناء الديموقراطي لسورية الجديدة»، مطالباً «جميع الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي بدعم الخطوات المهمة التي يتخذها السوريون من أجل توحيد صفوفهم وإقامة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة». وقال إن «على القيادة السورية أن تدرك أن التاريخ يقول إن من يعلي مصلحته الشخصية على مصلحة شعبه ذاهب وشعبه باق»، مؤكداً حرص مصر على إنهاء الصراع في سورية. وأضاف: «مازال جرح سورية ينزف وتدمى معه قلوبنا، ومازالت المأساة الإنسانية مستمرة، ومازالت دماؤهم مستباحة، ومصر حريصة أشد الحرص على إنهاء الأزمة السورية في أسرع وقت ممكن حقناً لدماء أهلها وحفاظاً على وحدة سورية وعلى مقدرات شعبها العظيم». وأكد «ضرورة الحفاظ على سلامة تراب سورية وتجنيبها خطر التدخل العسكري الأجنبي الذي نرفضه والحرص على أن تضم أي عملية سياسية أطياف الشعب السوري كافة من دون إقصاء على أساس عرقي أو ديني أو طائفي»، مشيراً إلى أن «الأوضاع الإنسانية في سورية بلغت مبلغاً خطيراً وفي كل يوم تزداد تدهوراً للأسف». ودعا إلى «التصدي للفتن المذهبية والطائفية على صعيد الأمة من خلال الحوار والتثقيف، لأن تلك الفتن إن لم نخمدها سوياً فإنها ستسري في جسد الأمة». وأعرب عن «قلق بالغ من التصعيد في مالي». وقال إن «مصر تؤكد دعمها وحدة أراضي مالي وسلامة شعبها وتراثها الثقافي، وتدعو إلى التعامل مع الوضع هناك ومع أي حالة مشابهة من منظور شامل يتعامل مع الأبعاد المختلفة للأزمة ويعالج جذورها سياسياً وتنموياً وفكرياً وأمنياً في وقت يراعي حقوق الإنسان، وهو ما يؤكد من جديد أهمية دعم جهود التنمية في منطقة الساحل». وتحدث الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، فدعا في كلمته إلى «تشكيل شبكة أمان مالية إسلامية لتلبية الحاجات الرئيسة للشعب الفلسطيني في أعقاب تصعيد إسرائيل إجراءاتها وحجز أموال الضرائب الفلسطينية». وقال إنه ناشد «شخصياً القيادة السورية لوضع المصلحة العليا لبلدها ووحدة شعبها فوق كل اعتبار، والتضحية، باعتبار أن الحكومات يجب أن تكون في خدمة الشعوب وأن تستجيب لمطالبها وتطلعاتها لا أن تكون الشعوب في خدمة الحكومات». ودعا «المجتمع الدولي ولاسيما مجلس الأمن إلى تحمل مسئولياته في سورية، وإيجاد حل للأزمة»، معبراً عن «استياء شعوب الأمة الإسلامية من عجز مجلس الأمن الدولي عن التعامل مع هذه الأزمة». وأكد استعداد المنظمة لتقديم كل ما في وسعها للوقوف إلى جانب مالي في الظروف التي تواجهها. وعرض الإصلاحات التي شهدتها المنظمة خلال فترة توليه المنصب، مشيراً إلى أن «التحديات التي تواجه المنظمة تؤكد الحاجة إلى إيمان أعمق بما تقدمه لرفعة أمتها وازدهارها، باعتبارها الأفق الواعد والفرصة السانحة والمصلحة القائمة بين دول تتشارك أسمى قيم الأرض وأرفعها شأناً». وأشار رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في كلمته أمام القمة إلى أن «العالم الإسلامي يشهد ظروفاً غاية في الخطورة، وهو ما يعني أن البلدان الإسلامية أمام تحديات مهمة تتطلب حلولاً عاجلة شجاعة». وشدد على «ضرورة توحيد الجهود إزاء الأزمات، سواء التي تحدث بتحركات داخلية أو أجندات خارجية»، مؤكداً «أهمية طرح الإسلام الوسطي المعتدل». وشدد على «ضرورة توحد جهود أعضاء المنظمة لمكافحة الإرهاب الذي يهدد مستقبل البلدان الإسلامية ويعطي صورة بائسة عن الإسلام». وفي ما يخص سورية، نبه المالكي إلى أن «الشعب السوري يعاني أعمال العنف والقتل والتخريب، ولا بد من موقف مساند ومخرج سلمي لتخرج سورية من أزمتها وعمل مكثف للتأكيد على تبرئة الإسلام من اتهامه بالإرهاب». وألقى الرئيس الفلسطيني كلمة في الجلسة الافتتاحية قال فيها إن «التأييد الدولي الواسع لحصول فلسطين على صفة مراقب في الأمن المتحدة سيؤدي إلى تعزيز المكانة القانونية والدولية للقضية الفلسطينية، وسيمنع حكومة الاحتلال بعد الآن من الادعاء بأن أرض الدولة الفلسطينية هي أرض متنازع عليها». وأكد أنه «إذا اختارت الحكومة الإسرائيلية الاستمرار في التوسع الاستيطاني، وخلق الأمر الواقع على الأرض، فإننا سنلجأ إلى اتباع جميع الوسائل المتاحة لنا، بما في ذلك التوجه للمؤسسات الدولية». وأوضح أن «معاناة القدس وأهلها ومقدساتها مازالت تتفاقم جراء السياسات التدميرية لقوات الاحتلال الإسرائيلية، فعلى مدى أربعة عقود ونصف، لم تتوقف آلة التهويد والطمس للهوية العربية والإسلامية والمسيحية للمدينة المقدسة، وفقاً لسياسة مبرمجة ومنهجية، ترمي إلى عزل المدينة المقدسة عن محيطها». وطالب الأمة الإسلامية بأن «تقف وقفة صلبة وصريحة لحض القوى العظمى على العمل من أجل الضغط على إسرائيل، بل وحملها على وقف سياساتها الاحتلالية والعدوانية على أرضنا وضد شعبنا، وإنهاء احتلالها، والذهاب إلى مجلس الأمن ليتحمل مسؤولياته تجاه هذه المحنة التي طالت لأكثر من خمسة وستين عاماً». وأكد أن «السلطة تعمل بكل إخلاص للخروج من حال الانقسام والمضي قدماً نحو إنجاز المصالحة الوطنية الفلسطينية التي هي هدف ومصلحة ومطلب فلسطيني شعبي»، داعياً إلى «ضرورة التفرقة بين الدعم الإنساني الواجب لأهل غزة والزيارات السياسية التي تأخذ طابعاً رسمياً، وكأن هناك كياناً مستقلاً في القطاع». وقال: «مع ترحيبنا ودعمنا لأي جهود ذات طابع إنساني، فإننا لا نقبل أي زيارة أو سياسة تمثل مساساً بوحدة التمثيل الفلسطيني ونعتبرها تعزيزاً للانقسام وإضراراً بالمصالح الفلسطينية وبالجهود المبذولة منكم جميعاً لتحقيق المصالحة الوطنية». ودعا الزعماء إلى «التدخل لتجنيب اللاجئين الفلسطينيين في سورية ما يتعرضون له من قتل وترويع وتهجير من منازلهم، والنأي بهم عن النزاعات الداخلية». وكان عباس التقى على هامش القمة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. وعقب انتهاء عباس من إلقاء كلمته، اعتمدت القمة جدول أعمالها، ورفع مرسي الجلسة الافتتاحية الأولى لتعقد جلسة مغلقة لاعتماد البيان الختامي الذي يصدر اليوم.