لا تنقلب الأقطاب المغناطيسيّة في شكل فجائي، بل تدريجياً خلال آلاف أو مئات الآلاف من السنين. أثناء تلك الحقب، يتشوّه الحقل المغناطيسي للأرض، فيضعف في منطقة ويقوى في أخرى. ويشهد ذلك الحقل ولادة أقطاب مغناطيسيّة متفرّقة، قبل أن يستقر على اتجاهٍ جديد، ناتج من تموضع السوائل المشحونة في باطن الأرض وحركتها. ومنذ بدايات القرن ال 19، حدّد العلماء تماماً موقع القطب المغناطيسي قرب منطقة ال «آرتيكا» (شمال كندا) في المحيط المتجمّد الشمالي. ويبدو أن ذلك القطب زحف ما يزيد على 1100 كيلومتر حتى الآن باتجاه سيبيريا والقطب الشمالي الجغرافي. ولاحظ العلماء أن القطب المغناطيسي الشمالي بات يتحرك حاضراً في شكل أسرع. ويقدّر العلماء سرعة زحفه بقرابة 60 كيلومتراً في السنة حالياً، بينما كانت سرعة هذا الزحف لا تتعدّى 10 كيلومترات سنويّاً في بدايات القرن العشرين. وإذا استمر تسارع الزحف القطبي المغناطيسي بتلك الوتيرة، فإن تغيّر قطبيّة الأرض المغناطيسيّة ربما تستغرق ما بين 200 سنة إلى 2000 سنة كحدّ أقصى، بينما كان المعدّل المتعارف عليه لسرعة انقلاب الحقل المغناطيسي يتراوح بين ألف سنة وعشرة آلاف سنة، مع حدوثه بمعدل مرّة كل مليون سنة تقريباً. يستفيد العلماء من قياس التغيّرات في الحقل المغناطيسي للأرض، لأنه ينبّههم إلى توقيت انقلاب مغناطيسيّة الكوكب. وفي 2013، أطلقت «الوكالة الأوروبيّة للفضاء» European Space Agency («إيزا» ESA) مهمة استكشاف فضائيّة تعرف ب «مهمة سوارم» Swarm mission. وتشمل سرباً من ثلاثة أقمار اصطناعيّة متخصّصة باستكشاف أسرار الحقل المغناطيسي الأرضي ومتغيّراته، إضافة إلى عملها على توقّع زمن انقلابه القادم. فجوات في حقل متبدّل في الآونة الأخيرة، التقطت أقمار «المهمة سوارم» فجوات كبيرة في الحقل المغناطيسي الأرضي فوق النصف الغربي للكرة الأرضيّة. وفي الوقت ذاته، زادت قوة الحقل عينه في أماكن أخرى، كتلك التي تعلو جنوب المحيط الهندي. ولا يجد الباحثون في «المهمة سوارم» تفسيراً لذلك التغيير الكبير إلا بتوقّع بداية قريبة لانقلاب الحقل المغناطيسي للأرض، خصوصاً أن القطب المغناطيسي في الشمال يزحف بسرعة باتجاه القطب الشمالي الجغرافي. في تعليق له على تلك الظاهرة، أوضح رون فلوبرغاغن، وهو مدير «المهمة سوارم» في «الوكالة الأوروبيّة للفضاء»، أن الأقمار الاصطناعيّة لتلك المهمة رصدت تحرك القطب المغناطيسي في الشمال باتجاه سيبيريا. ويلاحظ أيضاً أن قوة الحقل المغناطيسي باتت تتراجع بوتيرة أسرع من السابق. وبينما كان التراجع يحدث بمعدل 5 في الألف في القرن العشرين، باتت تتراجع بنسبة 5 في المئة في العقد الحالي، أي أسرع بعشر مرات عن السابق. ويضيف مدير «المهمة سوارم» أن انقلاب الحقل المغناطيسي للأرض ربما يحدث أبكر مما كان متوقّعاً بقرابة ألفي سنة.