ترفع فرنسا لواء «مكافحة الإرهاب الإسلامي»، والحفاظ على وحدة أراضي مالي. لكن القصد من «الإرهاب الإسلامي» فضفاض: فتحت مظلته تحشر «القاعدة» جنباً إلى جنب حركات وطنية، مثل «حماس» والحركات المحلية الرامية إلى إرساء حكم الشريعة، مثل «طالبان» الأفغانية أو «أنصار الدين» المالية. والعبارة هذه تثير الالتباس الذي يحول دون صوغ استراتيجية واضحة وطويلة الأمد. فهي لا تميز بين الحركات المشروعة التي يجب التفاوض معها ولو كانت تعارض الغرب، وبين تلك الإرهابية الرامية إلى نزاع مزمن معه من غير أن يؤازرها السكان. وتطعن حركات الطوارق في شمال مالي في وحدة أراضي البلد، وترى أن الحكومات المالية التي يهيمن عليها السود الجنوبيون، متعسفة. ومطالب الطوارق قديمة، تعود إلى ثلاثين عاماً، وهي ناجمة عن التقسيم الاستعماري لأفريقيا بين أفريقيا الشمالية التي يمسك بمقاليدها العرب، وأفريقيا الوسطى التي يتولاها السود الأفارقة. والطوارق ينتشرون في مساحة واسعة على الحدود بين «الاقليمين» العربي والأفريقي، وهم الخاسر الأكبر من التقسيم الكولونيالي في مالي وتشاد والنيجر والجزائر وليبيا نتيجة استبعادهم من الحكم، والتهميش. وهم لجأوا إلى تجارة التهريب الحدودي، واقتنصوا فرص النزاعات الإقليمية، ومنها الثورة الليبية، لحيازة السلاح. ورفع بعض حركات الطوارق، أخيراً، علم الإسلام الذي ينسبهم الى هوية جامعة أوسع من الهوية القبلية الضيقة، وييسر إبرامهم الأحلاف مع جماعات أفريقية. قضية الطوارق هي ثمرة التوتر العرقي- الوطني، وليست من بنات الإسلاموية. ولا سبيل الى تذليلها غير الحوار الرامي الى توزيع السلطة العادل. وقد يُحيي التدخل الفرنسي توزيع القوى القديم، فيمنح السلطة إلى طرف ويهمّش الآخر، فيتفاقم التوتر العرقي. والى مشكلة الطوارق، ثمة مشكلة عسيرة مردها إلى جنوح حركات عرقية- وطنية الى التطرف الديني. والى وقت قريب، كانت مجموعات تميل إلى العلمانية تمثل الطوارق، واليوم برزت مجموعات متطرفة دينياً، مثل «أنصار الدين»، ترمي إلى إرساء الشريعة وإنشاء إمارة إسلامية. وأسلمة المطالب الوطنية والإقليمية، ظاهرة دورية تتكرر منذ الثمانينات: المجاهدون الافغان، تليهم «طالبان»، و «حماس» الفلسطينية، و «حزب الله» اللبناني. وفي المناطق القبلية، أي أفغانستان وباكستان واليمن ومالي، غلب نازع الجماعات المحلية الى التحول حركات دينية متطرفة. والمطالب الانفصالية أو العرقية تترافق مع السعي إلى إنشاء «إمارة إسلامية». وخير دليل على هذه الملاحظة هو صبغ الباشتون بجنوب أفغانستان هويتهم بلون ديني، وإنشاء حركة دينية، «طالبان». فالانتساب الى الشريعة يذلل الانقسامات القبلية من غير ان يطيح النظام القبلي. والظاهرة هذه قديمة في أوساط القبائل، ووصف هذه الحركات ب «الإرهاب الإسلامي» خطير وضعيف الصلة بالواقع. ويُظهر الانقسام في 24 الشهر الماضي في صفوف «أنصار الدين» المالية بين جناح سلفي وجناح يقصر هويته على الهوية القبلية الطوارقية، أن مستويات الظاهرة الثلاثة، الشريعة والحلف القبلي والمطالب العرقية-الوطنية»، قابلة للتغير وإعادة الترتيب ترتيباً يوزع الأولويات فيرفع واحداً من المستويات إلى الصدارة أو ينزله إلى درك الأولويات. والجماعات المرتبطة ب «القاعدة» هي من الرُّحل المتنقلين في العالم المعولم: فجذورهم غير ضاربة في المجتمعات التي ينشطون فيها. وهم يستقطبون المقتَلَعين من جذورهم من أصول أجنبية، ف»القاعدة» لا ترفع لواء حركة اجتماعية سياسية او محلية، والمهاجمون في عين اميناس من منابت مختلفة واعراق متنوعة، وبينهم «مسلمون جدد»، أي أشخاص اعتنقوا أخيراً الإسلام. وتتحالف «القاعدة» مع قوى محلية. وهي تنشط في أطراف العالم الإسلامي، في البوسنة والشيشان وأفغانستان واليمن ودول الساحل الأفريقي، ولا ترمي إلى إنشاء إمارات إسلامية محلية، بل إلى استهداف الغرب، فهي بمثابة طفيليات تتغذى من النزاعات المحلية، وتحرفها عن المطالب المحلية إلى معاداة الغرب. * خبير في حركات الإسلام السياسي، أستاذ فلسفة، عن «لوموند» الفرنسية، 4/2/2013، إعداد منال نحاس