«كم أتمنى أن أكون زوجاً وأبا ولكن لا وقت لدي» بهذه العبارة بدأ محمد (22 سنة) حديثه عن أمنتيه في أن يكون أباً، لكنه في الوقت الراهن «مشغول بإكمال دراسته»، ولا يمكنه أن ينشغل بأمرين. واستطرد قائلاً: «أنا لا أستطيع أن أكون أباً صالحاً أو أؤدي كل الحقوق المترتبة علي، وطالباً متفوقاً في الوقت نفسه، لا بد من التضحية بأحد الخيارين، وقد اخترت الدراسة حالياً، أما الزواج والإنجاب ففي ما بعد». ويقول سعد المرزوق ذو ال 26 ربيعاً إنه اتفق مع زوجته على تأجيل الإنجاب حتى يتم نقله إلى المنطقة التي تعيش فيها زوجته. ويقول سعد: «لا أريد أن أعيش بين ناريين؛ نار البعد من زوجتي ونار البعد من طفلي، وأفضل أن أكون بالقرب من زوجتي لتكون كل أموري سهلة في المستقبل». أما علي السهمي فأجبرته ظروفه المادية على عدم الإنجاب. يقول: «راتبي ضئيل جداً، وأنا متزوج، ولا أفكر في أن أكون أباً في هذه الفترة، لكي لا يعيش ابني حياة لا استطيع فيها توفير ابسط حقوقه، لذا فكرت في البحث عن عمل يؤمن لي راتباً أفضل كي أعيش أنا وزوجتي وطفل المستقبل في وئام». وتعزو الاختصاصية النفسية في مستشفى الصحة النفسية في جدة الدكتورة سميرة الغامدي عزوف الشباب عن الزواج والانجاب إلى المتغيرات الاجتماعية، معتبرة أن هذا العزوف طبيعي. وتقول: «تحولنا من أسرة ممتدة إلى أسرة نووية. في السابق كانت الأسرة مكونة من أب وأم وجد وجدة يقطنون في بيت واحد، ما يترتب عليه قلة المسؤوليات، وكان الأب الكبير هو الذي يتحمل المسؤولية، فيهتم بأسرته وبأطفاله وتمتد تلك الأسرة الممتدة إلى أحفاد الأحفاد». وتضيف: «أما اليوم، فتغيرت الحال وأصبحت هناك أسر نووية عبارة عن الزوج وزوجته وأبنائهما، وبالتالي يكون هذا الفرد الوحيد هو الذي يهتم بهم، ما يعني أن أسلوب العيش في السابق كان أبسط وأسهل على الأب، فضلاً عن تزايد الحاجات في هذا الوقت، وبالتالي الضغوط». وتتابع: «من ناحية ثانية، يتحمل الشاب اليوم كامل مسؤولية البيت، أما في الماضي، فكان جميع أفراد الأسرة يساهمون في زواج الابن بالإجبار، أيضا في الوقت الراهن مستوى المعيشة ارتفع والعادات الاجتماعية تغيرت كما أصبح المهر كبيراً ما يصعب المهمة على الشاب». وتؤكد الغامدي أن اللوم لا يقع على الأسر بسبب المتغيرات الاجتماعية، مطالبة بمسألة التنظيم قبل الزواج، فهي تؤيد أي شاب ينظم حياته كي ينعم بحياة سعيدة. وتقر الغامدي بأن الشباب يعيشون تحت ضغط نفسي كبير، «فالمسألة اجتماعية أكثر منها نفسية. وأنا أحترم أي شاب ينظم حياته قبل أن يقدم على مسألة الزواج»، متمنية أن تعود فكرة الأسرة الممتدة.