يستعد براتيسلاف ستوكيوفيتش (40 سنة) لقضاء ليلة باردة أخرى داخل قبر في مدافن قديمة في نيس جنوب صربيا، حيث يقيم منذ عشر سنين. ويقيم الرجل مع جار وحيد له يدعى ألكسندر دييتش في هذه المقبرة المهجورة منذ عام 1970. ويقول: «لم أسرق شيئاً، ولم أدنس القبر الذي أقيم فيه، فقد كان مفتوحاً عندما لجأت إليه». قبل عشر سنوات، توفي والد براتيسلاف بسبب حريق شب في منزلهما. ووجد الشاب نفسه من دون عمل ولا مأوى، ولم يجد من يساعده، فلم يكن أمامه خيار سوى اللجوء إلى المقبرة. ويقول: «لا أخاف من الموتى، أرواحهم هناك حيث يجب أن تكون، في الجنة أو في الجحيم، أما رفاتهم فلا تؤذي أحداً». ويقيم براتيسلاف وإلى جانبه ثلاثة توابيت حديد تضم رفات عائلة لا يزورها أحد. ويقول: «أتجنب فقط أن أنظر كثيراً إلى التوابيت». أما ألكسندر (53 سنة) فيسكن في المقبرة منذ 20 سنة، ويقتصر أثاث الرجل وممتلكاته على بعض الأواني المملوءة بالماء العكر، وكومة من الحقائب البلاستيكية مع بقايا أطعمة وملابس بالية. وأدت العقوبات الدولية على بلغراد بسبب دورها في هذه النزاعات في يوغوسلافيا السابقة إلى تفاقم أزمة المشردين، إذ خسر آلاف الأشخاص وظائفهم وغرقوا في الفقر، بينما كانت البلاد تشهد انهياراً اقتصادياً. ويعيش 7 في المئة من السكان البالغ عددهم 7,2 مليون نسمة تحت خط الفقر. وتضم البلاد 200 ألف مشرد، ويعاني 22,5 في المئة من السكان من البطالة، في بلد يستقبل حوالى 300 ألف نازح صربي هربوا من جحيم المعارك في أقاليم يوغوسلافيا السابقة. ويقتات الرجلان من بقايا الطعام المرمية في حاويات القمامة. ويجلب جيرانهما لهما أحياناً بعض الطعام والملابس القديمة والقليل من المال. ويسعى براتيسلاف دوماً إلى عدم إصابة المارين النادرين بالرعب «لأن رؤية إنسان حي يخرج من القبر أمر مروّع».