شهدت الرياض احتفال مجلس التعاون الخليجي في الثاني من شباط (فبراير) الجاري، بمرور سنة على إطلاق مشروع صناعة رواد الاختراع، وستُعلَن في اختتامه حملة ثانية لهذه السنة. وهذا مؤشر ملموس إلى اهتمام متزايد بربط عجلة الإنتاج والأعمال بالبحث العلمي اكتشافاً واختراعاً. ويمكن أن يقال الكثير عن البحوث العلمية وأهميتها في الاقتصاد، وإجراء مقارنة بين دول ناشطة علمياً وأخرى لا تعير ذلك الجهد اهتماماً. وتتهدد ذلك الجهد دائماً أخطار الوقوع في الإسراف في الإنفاق أو شحه. وينتج الإسراف أحياناً عن إنفاق غير مرتبط بالسوق أو بما يسمى الأفيال البيضاء. فيما يكون الشح في بلدان متخلّفة لا تحفزها ممارسة نشاطات في البحوث، مفضلة شراء منتجات أفكار الآخرين. وتقنع بموارد أقل بدلاً من المشاركة الإبداعية في جهد إنساني، بما يشكل استثماراً واعياً للمستقبل ويرتبط بآليات السوق وتحقيق الأرباح. ويبقى السؤال عن حجم الأموال الواجب استثمارها لإدارة برامج ناجحة تنتهي بتطبيقات قابلة للتسويق على مستويات محلية وإقليمية وعالمية، تجعل من تلك المنتجات ذات قدرة تنافسية بمستويات دولية. وللاسترشاد بتجارب عالمية يستضيء المرء بإحصاءات من أربعة جداول ربما تفيد للمقارنة. يقارن الجدول الأول موازنات البحث العلمي كنسبة من مبيعات مصانع منتقاة من قطاع الصناعة التحويلية في بريطانيا. ويدرج الجدول تحديداً ما تنفقه دوائر الأبحاث والتطوير في شركات دولية ونسبة ذلك من مبيعات تحققت بين 2008 - 2010، بحسب موازنات البحوث والتطوير. تأتي في الصدارة جهود البحوث والتطوير في قطاع الأدوية، إذ بلغت في الأعوام الثلاثة السابقة الذكر 4354 مليون جنيه و4434 مليوناً و4634 مليوناً على التوالي. وبلغت نسبة الإنفاق من المبيعات 42.8 و36.3 و34.3 في المئة. وأنفقت شركة «آروسبيس» في نشاطات، منها ما يتعلق بالطيران والفضاء، 1732 مليون جنيه و1466 مليوناً و1407 ملايين بنسب 10.3 و7.9 و8.0 في المئة. وصرف قطاع الأدوات الكهربائية 577 مليون جنيه و577 مليوناً و512 مليوناً، بنسب 4.5 و5.2 و4.2 في المئة. واستهلك قطاع الصناعة الكيماوية 630 مليون جنيه و607 ملايين و658 مليوناً، وبلغت النسب 2.7 و2.8 و2.8 في المئة. أما في مجال المركبات وقطع الغيار، فأُنفق 1156 مليون جنيه و1039 مليوناً و1255 مليوناً بنسب من المبيعات تبلغ 3.2 و3.8 و3.4 في المئة. وخصص قطاع بضائع أخرى مصنّعة 36 مليون جنيه و98 مليوناً و134 مليوناً، بنسب 0.2 و0.6 و0.8 في المئة، ونشرت هذا الجدول جمعية صناعة الدواء البريطانية. وأظهر جدول ثان موازنات البحث والتطوير كنسبة من الأرباح الجارية في ألف شركة عالمية عام 2008. فبيّن أن الإنفاق في شركة «آروسبيس» وصناعة الدفاع بلغ نسبة 50 في المئة من الأرباح الجارية. وفي مجال الخطوط الثابتة للاتصالات عن بعد 15 في المئة و20 في المئة لمنتجي الأغذية، و25 في المئة لصناعات عامة، و45 في المئة للهندسة الصناعية و47 في المئة لآلات العناية الصحية وخدماتها. وفي الإعلام 50 في المئة والاتصالات عن بعد كالخليوي مثلاً 8 في المئة. فيما ترتفع النسبة في حقل السيارات وقطع الغيار إلى 240 في المئة. ويطول الجدول لتسجيل نسب الصرف على أوجه أخرى. وهذه الأرقام أصدرتها وزارة ابتكارات الأعمال والمهارات البريطانية. وأصدر البنك الدولي الجدول الثالث، الذي بيّن الإنفاق على الأبحاث والتطوير كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي في بين الأعوام 1980 و 2012. وأوردت هذه القائمة واقع دول الخليج المزري، سواء لانعدام إنفاقها على البحوث والدراسات أو لعدم تسجيل إنفاق في هذا المجال. إذ خصصت الكويت 0.08 في المئة (2008) و0.11 في المئة (2009). وأنفقت السعودية 0.05 في المئة (2008) و 0.08 في المئة (2009). في حين لا تتوافر الإحصاءات عن البحرين وقطر وعُمان والإمارات. ويعرض الجدول الرابع إنفاق الولاياتالمتحدة على البحوث والتطوير، سواء كان داخلياً من الشركة أو المؤسسة، أو من السلطات على مستويي الولاية أو الاتحاد. وعلى سبيل المثال أنفقت الشركات على بحوث البترول 1442 مليون دولار، إلى جانب إنفاق ولايات معينة وهيئات اتحادية لم تُنشَر لاحتوائها على معلومات اعتُبرت سرية. وتعود هذه الأرقام إلى مؤسسة العلوم الوطنية الأميركية. وعلى سبيل المثال مهّد البترول الطريق لإنتاج البتروكيماويات في الخليج. وباتت دوله تضمّ أفضل مصانعه في العالم، ولم يخل ذلك التطور من بحوث علمية أفضت إلى تحقيق أرباح. وتحدد الطبيعة الجغرافية للدول الخليجية منطلقات للبحث والتطوير، بقدر ما تحدد جوانب المناخ والموقع شروط النشاط الاقتصادي ومنتجاته. ومثلما تتطلب عمليات الإنتاج من الجامعات ومؤسسات التعليم المحلية تنظيم موادها المدرّسة لتستجيب لحاجات السوق، يمكن توجيه دوائر البحث والتطوير لتتخصص في مجالات المعرفة المرتبطة بنشاطات الشركات والمصانع.