لم يكن من السهل كتابة هذا العنوان، فمثيله أو أصله في الصحافة المصرية (وربما العالمية) هو «امسك حرامي» أي اقبض على السارق، الخارج على القانون، لكن الأمور تغيرت كثيراً بعد ثورة 25 يناير، ليسود التحريض على الإعلاميين، وإرسال البلاغات ضدهم إلى النائب العام وإلى أقسام البوليس، إضافة إلى الهجوم اليومي في الصحف وغيرها من المسؤولين في الحكم، من المنتمين إلى حزب الحرية والعدالة، وإلى جماعة «الإخوان المسلمين»، وأنصارهم الذين انتشروا في كل القنوات. قبل أيام قليلة، أعلنت إحدى مقدمات البرامج في فضائية «التحرير» التي أطلقت بعد الثورة، أنها تلقت إشارة من مكتب النائب العام في شأن بلاغ جديد ضدها لا تتهمها هذه المرة بالتهجم على الحكم ورموزه والرئيس وإنما بالتحريض على الفوضى في الشارع بسبب استضافتها الخارجين على القانون. وكانت دينا عبدالحميد، استضافت مساء الأحد في برنامجها «الشعب يريد» اثنين من شباب (البلاك بلوك) في حوار حول أهداف هذه الجماعة التي يرتدي أفرادها الملابس والأقنعة السود، وهي الجماعة التي ظهرت قبل أسابيع، لكن ظهورها الأوضح كان في حال غضب الكثير من الشباب لرد الفعل الأمني، ومع غضب أهالي شهداء التراس الأهلي وأصدقائهم حين سماع حكم المحكمة تجاه قتلة شهدائهم. المهم أن الحكم جاء ليشعل الشارع المصري من جديد وليلتحم مع الغضب الآخر من الأوضاع السيئة. في هذه الأحداث ظهر شباب وشابات (بلاك بلوك) بوضوح في الشوارع ما أثار علامات استفهام عدة في شأنهم، خصوصاً رفضهم الحديث في الإعلام، فكان «الشعب يريد» الأسبق في تقديم اثنين منهم تحدثا بصعوبة مع مقدمة البرنامج المذكورة ما جعل هذه، تتلقى في اليوم التالي الإشارة بتحويلها إلى النائب العام ما ضخم ملفها الشخصي المليء بالبلاغات السابقة. غير أن دينا ليست وحدها فهناك ملفات أخرى تضم اتهامات موجهة إلى لميس الحديدي وقناتها «CBC»، وأيضاً إلى يوسف الحسيني وقناة «أون» ووائل الإبراشي «دريم»، وباسم يوسف (صاحب واحد من أضخم الملفات ضد الإعلاميين) وغيرهم كثيرين. والحال أن هذا يلفت حقاً إلى أهمية الإعلام المرئي ودوره تحديداً في كشف ما يحدث وفضحه هذه الأيام في مصر. صحيح أن هناك شكاوى تطاول أيضاً العاملين في الإذاعة المصرية، والصحافيين وصحفهم، لكن الإعلام المرئي يستحوذ على معظم الاهتمام بما له من تأثير يأتي من أساليب بعض الإعلاميين في التعاطي مع ما يقدمونه ورغبتهم في المزاوجة بين كونهم مقدمي برامج عليهم التزام الموضوعية، وكونهم يديرون برامج تقدم ما يحدث في الشارع المصري يومياً حيث لا ينفع مقدمي البرامج أن يظهروا كالأعمى والأخرس والأطرش، لأنهم سيفقدون صدقيتهم وربما شرفهم المهني أيضاً، لكن من دون أن يطالب أحد بالقبض عليهم كاللصوص.