ما إن هبط الليل على العاصمة المصرية حتى فُتحت جبهة جديدة للعنف المتبادل بين المحتجين والشرطة. ويُنتظر أن تمثل التظاهرات التي دعت إليها قوى المعارضة والحركات الثورية في مختلف المحافظات اليوم تحت اسم «جمعة الخلاص» تحدياً جديداً لمدى صمود الحكم أمام حركة الاحتجاجات التي تدخل أسبوعها الثاني اليوم، كما تختبر أيضاً قدرة المعارضة على استمرار الحشد من أجل الضغط على السلطة لتلبية مطالبها. وتأتي التظاهرات غداة نجاح الأزهر في جمع الفرقاء إلى مائدة شيخه أحمد الطيب الذي رعى أمس لقاء هو الأول من نوعه منذ أحداث العنف التي تفجّرت قبل شهرين أمام قصر الاتحادية الرئاسي. وشارك فيه قادة «جبهة الإنقاذ» محمد البرادعي وعمرو موسى وحمدين صباحي ورئيس حزب الوفد السيد البدوي وقوى ثورية بارزة إلى جانب نائب مرشد «الإخوان» محمد عزت ورئيس حزب «الحرية والعدالة» سعد الكتاتني ورئيس حزب «النور» السلفي يونس مخيون والداعية محمد حسان وآخرون في حضور ممثلي الكنائس المصرية الثلاث. وخلص اللقاء إلى تشكيل لجنة من 12 شخصاً بينهم اثنان من شباب الثورة و5 من أعضاء جبهة الإنقاذ لوضع أسس وضوابط وآليات الحوار بين الحكم والمعارضة، على أن تجتمع اللجنة بالرئيس محمد مرسي لمناقشة ما توافقت عليه، كما ركزت وثيقة وقع عليها المجتمعون على «نبذ العنف وحرمة الدماء». ودعت الوثيقة ضمناً المتظاهرين الذين ينظمون اليوم مسيرات إلى ميدان التحرير وقصر الاتحادية ودواوين المحافظات المختلفة إلى «التفرقة الحاسمة بين العمل السياسي والعمل التخريبي»، مشدّدة على واجب الدولة ومؤسساتها الأمنية في حماية أمن المواطنين وسلامتهم وصيانة حقوقهم الدستورية، والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة. ودانت التحريض على العنف أو تبريره أو الترويج له أو استغلاله بأي صورة. ويبدو أن «وثيقة الأزهر» لم تلقَ صدى عند المتظاهرين، إذ استمرت المواجهات بين الشرطة والمحتجين في محيط ميدان التحرير، بل زادت بعدما فُتحت جبهة جديدة في ميدان «سيمون بوليفار» بعدما عززت قوات الشرطة الأسوار الخرسانية التي عُزلت خلفها، ما رسخ الانطباع بأن الشارع هو الذي يحرك الأحداث بعيداً من وصاية النخب. وواصل المتظاهرون رشق قوات الشرطة على كوبري قصر النيل بالحجارة، فردت بقنابل الغاز المسيل للدموع ووصلت الاشتباكات إلى ميدان «سيمون بوليفار» المطل على كورنيش النيل، فيما وقعت مصادمات محدودة يبن الطرفين في شارع محمد محمود المؤدي إلى وزارة الداخلية خلال مسيرة نظمها عشرات المتظاهرين باتجاه الوزارة. ومع ترحيب الرئاسة ووزارة الداخلية بوثيقة الأزهر واتصال رئيس الوزراء هشام قنديل بشيخ الأزهر أحمد الطيب مهنئاً، انتقدت قوى ثورية عدة لقاء المعارضة و «الإخوان» إلى مائدة الطيب. وبدا أن المبادرة خففت من الجدل الذي أثاره تصريح وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي الذي حذر الفرقاء من أن استمرار الصراع على السلطة يهدد تماسك البلاد وقد يؤدي إلى «انهيارها»، وما تبعه من مطالبة المعارضة بدور للجيش في الحوار مع السلطة لضمان تنفيذ نتائجه. وفي وقت قللت قيادات جماعة «الإخوان» من تصريحات السيسي وانتقدت مطالب المعارضة، مشددة على أن الجيش لن يلعب دوراً سياسياً، استمر صمت المؤسسة العسكرية على مطالب استدعائها مجدداً إلى المشهد السياسي، فيما بدا أنه ترقب لما ستسفر عنه التظاهرات في الشارع ولقاءات الساسة.